الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الموازنة بين طاعة الأم والزوج عند التعارض

السؤال

تزوجت منذ خمس سنوات، وبعد زواجي بسنة توفي والدي، وأنا وحيدة أمّي، فاقترحتُ على زوجي أن تعيش أمّي معنا، فاعترض في البداية، ثم وافق بعد ذلك، وبعد أن سكنت والدتي معنا حصلت مشاكل كثيرة بينها وبين زوجي.
والدتي باعت شقتها، وأعطتها لنا، وزوجي أكمل عليها مبلغًا، واشترينا شقة كبيرة، والمشاكل حاليًّا كثيرة بين زوجي وأمّي، ولا نستطيع أن نعيش عيشة هنية، وأنا خائفة على أمي منه، فلا أنا ولا زوجي ولا أمّي سعداء، ولا نجد حلًّا، وليس عندنا مال لكي نشتري شقتين قريبتين من بعض.
وقد اقترح عليَّ أن نترك الشقة لأمّي، ونذهب إلى مكان آخر بعيدًا عن أمّي في محافظة أخرى، وأخبرني أن هذا هو الحل الوحيد الذي سيجعله يهدأ بعض الشيء، وأمّي لا تريدني أن أتركها وحدها في الشقة؛ لأنها تخاف جدًّا، فماذا أعمل؟ فالمشاكل التي بين زوجي وأمّي، أثَّرت على علاقتي به، فلم تبقَ بينا ألفة كالسابق، ولا أدري هل أرضي أمّي، أم زوجي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإننا نوصيك أولًا بالصبر، وكثرة الدعاء بأن يصلح الله ما بين أمّك وزوجك؛ فهو على كل شيء قدير، وقلوب العباد بين يديه، يقلّبها كيف شاء، فالتجئي إليه، وتضرّعي له، وهو قد أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة، فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.

وينبغي أن تبذلي النصح لهما، أو تنتدبي من يمكنه القيام بذلك، ممن له وجاهة عندهما؛ ليذكّرهما بنعمة هذه المصاهرة، وكيف أن الله سبحانه امتَنَّ بها على عباده، فقال: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا {الفرقان:54}.

ومِن شكر هذه النعمة حسن المعاشرة بين الأصهار، وإكرام كل منهما للآخر، وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا؛ فإن لهم ذمّة، ورحمًا... الحديث. وهو يعني بذلك أهل مصر؛ لكون ماريا القبطية منهم.

فإذا تيسر الإصلاح؛ فالحمد لله، وإلا، فالواجب عليك طاعة زوجك، فقد ذكر الفقهاء أن من حقّ الزوج على زوجته أن ينتقل بها إلى حيث شاء؛ بشرط أَمْن بلد الإقامة، والطريق الموصلة إليه، وسبق أن بيناه في الفتوى: 407383.

وهذا ما لم تكوني قد اشترطتِ عليه قبل العقد عدم إخراجك من بلدك؛ فيجب عليه الوفاء بالشرط -والحالة هذه-.

وإن لم يتيسر الصلح، وأصرَّ زوجك على الانتقال؛ فالواجب عليك طاعته، فحقّه مقدّم على حقّ أمّك عند التعارض، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: الْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ، كَانَ زَوْجُهَا أَمْلَكَ بِهَا مِنْ أَبَوَيْهَا، وَطَاعَةُ زَوْجِهَا عَلَيْهَا أَوْجَبُ. انتهى. وراجعي الفتوى: 9218.

ولا بأس بأن تحاولي إقناعه بالسكنى في نفس البلدة التي فيها أمّك؛ لتكوني قريبة منها، وتتعاهديها بالزيارة، والرعاية.

وابحثي لأمّك عن سبيل لأن يكون معها من يؤنس وحشتها؛ كخادمة مأمونة، ونحو ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني