الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

آثار بر الوالدين الدنيوية والأخروية

السؤال

أنا طالب هندسة، عمري 19 سنة، ولا أعمل. بعد طلاق الوالدين -حفظهم الله- أصبحت المسؤول عن طلب المال من والدي. المشكلة في علاقتي مع الوالد هو أنه غني -الحمد لله-، لكن يلومني على طلب المال، وطبعا لا أطلب للرفاهية بل الأساسيات.
يعني طلبت منه مالا لعلاج أخي، فبدأ في ذكر أننا المفروض أن نقتصد، وأنه عليه أعباء، ونفس الموقف يتكرر عند طلبي لمستلزمات الدراسة أو الملابس.
ومع كل طلب يبدأ بتوضيح أننا عبء عليه؛ رغم أني شخصيا توقفت عن طلب أيِّ شيء لنفسي. يعني عندما أمرض لا أطلب منه العلاج، وأكتفي بطلب ما يحتاجه إخوتي، حتى أجنبهم الحديث معه.
كانت أختي تحتاج شيئا، ولما طلبته بدأ يعدد لي أعباءنا، ويتهمني بالتقصير؛ لأننا لا نوفر، حتى أنه اقترح عليَّ أني أطبخ طعام المجاعات لتوفير مال الطعام. أنا حسبت، ووضحت له أن مرتبه يكفي لتغطية كل هذه الأعباء، مع تلبية الطلب، وبعدها ذكرت له أن فوق مرتبه هو يحتفظ بمبلغ في البنك. فقال إنه لا يحق لي التدخل في ما إذا كان يملك المال أم لا. فقلت له: إذن لا تذكر لي أعباءك، طالما لا تريدني أن أتدخل. في النهاية وافق، بعد ما حطمني نفسيا، وكأنني أختار الظروف واحتياجاتنا.
المفاجأة أن مصدر المال لا كان المرتب، ولا حسابه البنكي. المصدر كان من ميراثه الذي لم يذكره، كمحاولة لإثبات أنه غير قادر على تنفيذ الطلب.
فبصراحة تأثرت لمروري بكل هذا بالرغم من أنه بالفعل لديه المال. يعني لماذا يريد أني أشعر بأني عبء؛ رغم أنه يملك أضعاف تكاليفنا؟
لتوفير وقتكم أرجو تجاهل نصائح غرضها محاولة إصلاح طباع الوالد؛ لأني جربت كل الطرق، وبكل لطف، ولم تفلح. وكان من الأولى أن تفلح مع والدتي التي استمرت معه فترة طويلة، ولم تطق.
فسؤالي هو: كيف أحافظ على تركيزي الذهني، وعبادتي في مثل هذه الظروف؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، ويوسع رزقك، ويعينك على طاعته.

ووصيتنا لك أن تتقي الله تعالى، وتستعين به، وتتوكل عليه في كل أمورك، وتكثر من ذكره، ودعائه، فإنّه قريب مجيب.

واجتهد في العناية بالصلاة والخشوع فيها؛ فإنّها مفتاح كل خير، قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ {البقرة:45}.

قال السعدي -رحمه الله-: فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه؛ معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور. انتهى.

ومن أعظم ما يعينك على الاستقامة، ويجلب لك التوفيق والإعانة من الله؛ اجتهادك في برّ والديك، والإحسان إليهما؛ والحرص على مخاطبة والدك بالأدب، والرفق، والتوقير، وتجنب ما يكسر خاطره، فحق الوالدين على أولادهما عظيم، ولا يسقط حقّهما بظلمهما أو إساءتهما، فقد عقد البخاري في كتابه الأدب المفرد بابًا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما، وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. اهـ.

فعليك ببر أبيك والإحسان إليه، واعلم أنّ برّ الوالدين من أعظم أسباب رضوان الله، ودخول الجنة، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.

وعن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت، فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.

قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني