الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اعتقاد أن مريم أفضل من بعض الصحابة

السؤال

قرأت في موقع إسلامي أنه يجب أن نعتقد أن الصحابة هم خير الناس بعد الأنبياء، فهل هم خير من مريم -عليها السلام-، ومن آسية امرأة فرعون؟ وإذا اعتقدت أن مريم -عليها السلام- أفضل من بعض الصحابة؛ فهل في ذلك خلل في عقيدتي؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبداية ننبه على أن فضل جيل الصحابة على من عداهم ثابت بالنص، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. رواه البخاري، ومسلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى»: هم -يعني السابقين الأولين- خير الناس بعد الأنبياء؛ فإن أمة محمد خير أمة أخرجت للناس، وأولئك خير أمة محمد، كما ثبت في الصحاح من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {خير القرون القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم}. اهـ. ولكن هذا من حيث الجملة.

وأما من حيث تفضيل كل فرد منهم على كل فرد ممن عداهم، فلا يتناوله النص، وقد يفضل غيرهم بعض الأفراد منهم، من حيث كثرة العمل، وفضله، ومع ذلك يبقى للصحابي فضل الصحبة، قال ابن تيمية: جملة القرن الأول أفضل من القرن الثاني، والثاني أفضل من الثالث، والثالث أفضل من الرابع، لكن قد يكون في الرابع من هو أفضل من بعض الثالث، وكذلك في الثالث مع الثاني.

وهل يكون فيمن بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة المفضولين لا الفاضلين؟

هذا فيه نزاع، وفيه قولان، حكاهما القاضي عياض، وغيره. اهـ.

وقال ابن عبد البر في التمهيد: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خير الناس قرني"، ليس على عمومه، بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول، وقد جمع قرنه مع السابقين من المهاجرين والأنصار جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان، وأهل الكبائر الذين أقام عليهم، أو على بعضهم الحدود ... اهـ.

وقال القرطبي في تفسيره: هذا يدل على أن أول هذه الأمة ‌أفضل ممن بعدهم، وإلى هذا ذهب معظم العلماء، وإن من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، ولو مرة في عمره، ‌أفضل ممن يأتي بعده، وإن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل. وذهب أبو عمر بن عبد البر إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد ‌الصحابة ‌أفضل ممن كان في جملة ‌الصحابة. اهـ.

وأما بخصوص مريم -عليها السلام- فقد بلغت أعلى مراتب الدِّين بعد النبوة، وهي مرتبة الصديقية، كما قال تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [المائدة:75]؛ ولذلك فهي خير ممن لم يبلغ هذه المرتبة.

وأما من بلغها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فهم أفضل منها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مختصر الفتاوى المصرية-: مريم بنت عمران، وآسية زوجة فرعون؛ من أفضل النساء.

والفواضل من هذه الأمة؛ كخديجة، وعائشة، وفاطمة؛ أفضل منهما؛ كما أن الفاضلين من رجال هذه الأمة أفضل من فاضلي رجال غيرها؛ فإن الصواب الذي عليه عامة المسلمين، وحكى الإجماع عليه غير واحد: أنهما ليستا بنبيتين، وإنما ‌غايتهما ‌الصدّيقية، كما دلّ عليه القرآن. وصدّيقو هذه الأمة - رجالها، ونساؤها - أفضل من صدّيقي غيرها. اهـ.

وبهذا يتبين أنه لا حرج على السائل في اعتقاده أن مريم -عليها السلام- أفضل من بعض الصحابة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني