الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الصلاة على الصحابة

السؤال

لماذا نصلي على الصحابة في صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؟ وما هو الدليل على إدخال الصحابة في الصلاة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالصلاة على غير الأنبياء -كالصحابة رضي الله عنهم- مما اختلف العلماء في حكمه، فمنهم من جوزها استقلالًا، واستدل بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا {الأحزاب: 43}، وبقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: اللهم صل على آل أبي أوفى. متفق عليه. وبصلاته على آل سعد بن عبادة. أخرجه أبو داود.

ورجح بعض العلماء جوازها استقلالاً أحيانا، بحيث لا تصير شعارًا لهم تذكر كلما ذكروا، كما يفعله أهل البدع، وهو اختيار ابن القيم.

وأما الصلاة على غير الأنبياء -كالآل والصحب تبعًا؛ فلا حرج فيها البتة، قال النووي في شرح مسلم: وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَجَازَ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-، وَالْأَكْثَرُونَ: لَا يُصَلِّي عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ اسْتِقْلَالًا، فَلَا يُقَالُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ أَوْ عَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَلَكِنْ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ تَبَعًا، فَيُقَالُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ.

وَقَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ: يُصَلَّى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَقِلًّا، وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ، وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى، وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ صَلَّى عَلَيْهِمْ قَالُوا وَهُوَ مُوَافِقُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الذي يصلي عليكم وملائكته. اهـ.

وفي عمدة القاري للعيني: احْتج بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور ‌من ‌جوز ‌الصَّلَاة ‌على ‌غير الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، بالاستقلال وَهُوَ قَول أَحْمد أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَكْثَرُونَ: إِنَّه لَا يُصَلِّي على غير الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام اسْتِقْلَالا، فَلَا يُقَال: اللَّهُمَّ صل على آل أبي بكر وَلَا على آل عمر أَو غَيرهمَا، وَلَكِن يصلى عَلَيْهِم تبعًا. انتهى.

وبه تعلم أنه لا خلاف بين الأئمة في جواز الصلاة على الصحب تبعًا، وإنما الخلاف في الصلاة عليهم استقلالًا، ثم اعلم أن من قال من العلماء: إن آل النبي -صلى الله عليه وسلم- هم أتباعه المؤمنون -فالصلاة على الصحب بعد الصلاة على الآل تكون من باب عطف الخاص على العام، لأنهم أولى الناس بالدخول في وصف الآل على هذا الوجه، ومن قال إن آله: هم المؤمنون من قرابته -فالصلاة عليهم بعد الصلاة على الآل أتت بطريق القياس، جاء في حاشية الجمل: قَدَّمَ الْآل ‌لِأَنَّ ‌الصَّلَاةَ ‌عَلَيْهِمْ ‌وَرَدَتْ ‌بِالنَّصِّ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحْبِ فَبِالْقِيَاسِ. انتهى.

وأيضًا ففي الصلاة على الصحب مخالفة لأهل البدع الذين يوالون الآل دون الصحب. وفي السلسلة الضعيفة للألباني -عليه الرحمة- مناقشة لبعض المعاصرين، حيث أنكر الصلاة على الصحب، محتجًا بأنها لم ترد. وقد أجاد الشيخ -رحمه الله- في مناقشته، وبيَّن أن هذه هي جادة أهل العلم المطروقة، فليرجع إلى كلامه في أول الجزء الرابع من الضعيفة، فإنه مفيد. وللشيخ العلامة: بكر أبو زيد -رحمه الله- كلام حول هذه المسألة في معجم المناهي اللفظية، فانظره إن شئت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني