الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يضمن المضارب نصف المال عند الخسارة لو حصل الاتفاق على ذلك؟

السؤال

اتفقت مع صديقي أن آخذ منه مبلغًا من المال، وأعمل به في البورصة، ونتقاسم الأرباح مناصفة، وسألني: وإذا حصلت خسارة؟ فأجبته: مناصفةً أيضًا، واتفقنا على ذلك.
مرّت الأيام والأشهر، ونحن نتقاسم الربح، وكان العمل جيدًا -والحمد لله-، وكلانا مسرور من الأرباح التي تأتيه، وساء وضع التداول بسبب الخوف الاقتصادي من كورونا، وخسرنا كامل المبلغ؛ بسبب انعكاس السوق بشدة، بالإضافة إلى أن شركة الوساطة التي أتعامل معها خرقت قانون التداول في الدولة التي نقيم بها، وهذا الأمر كان السبب الأكبر في خسارة الأموال.
تكلّمت مع صديقي، وصارحته بالأمر، وأني ملتزم بسداد نصف الخسارة حين يصبح لديَّ نقود، وأني لا أملك مالًا أسدّد به فورًا، وأن التجارة ربح وخسارة، وكما ربحنا سابقًا، دار علينا الزمن وخسرنا، وأني متابع مع شركة الوساطة، والدوائر القائمة على حماية الأوراق المالية، والمستهلك، وأطالب بردّ المال؛ لأن الشركة خرقت قانون التداول، وهذا هو السبب الأول والأكبر في الخسارة، وإذا استطعت استعادة المبلغ وقتها فسأردّه كاملًا -إن شاء الله-، علمًا أني أخذت منه المال؛ لأني لا أملك مالًا أستطيع المضاربة به في البورصة وحدي، بالإضافة إلى أن وضعي الصحي يقيدني في العمل؛ لذلك اخترت المضاربة في البورصة -فروق الأسعار في العملات والأسهم-، ودرست المضاربة والتحليل مدة طويلة، وأحد أقرباء صديقي يقول لي: إنه عليّ أن أتحمّل كامل المبلغ، وأسدده له دون نقص، واتفاقنا كان واضحًا -مني التعب، ومن صديقي المال، وأضارب في البورصة، والربح و الخسارة مناصفةً-، فما رأي الشرع في ذلك؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالظاهر أن مسألتك هذه صارت مسألة منازعة بينك وبين صديقك، ومعلوم أن الفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها؛ وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.

وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوّره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء؛ ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم، والإرشاد، والتوجيه.

والمضاربة الشرعية إذا حصل فيها خسارة، يخسر كل من المضارب وصاحب رأس المال ما شارك به؛ فيخسر المضارب جهده، ويخسر صاحب رأس المال ماله، ولا يضمن المضارب شيئًا من المال إلا في حال التعدّي، أو التفريط. وراجع الفتويين التاليتين: 386281 ، 206356 .

ولا يتغير هذا الحكم حتى ولو اشترط ربّ المال على المضارب، أو اشترط هو على نفسه أن يشارك في الخسارة؛ فهذا الشرط باطل باتفاق الفقهاء، ويبقى العقد صحيحًا عند الجمهور، قال الخرقي في مختصره: إن ‌اتفق رب المال والمضارب على أن الربح بينهما، ‌والوضيعة ‌عليهما، كان الربح بينهما، والوضيعة على المال. اهـ.

وقال ابن قدامة في شرحه «المغني»: وجملته أنه متى شرط على المضارب ضمان المال، أو سهمًا من الوضيعة؛ فالشرط باطل. لا نعلم فيه خلافًا. والعقد صحيح. نص عليه أحمد. وهو قول أبي حنيفة، ومالك. اهـ. وانظر للفائدة الفتويين: 68533، 170445.

وعلى ذلك؛ فإنه لا يلزم العامل دفع شيء من هذا المال، إلا إذا كانت الخسارة وقعت بسبب تعدّيه بفعل ما لا يجوز، أو تفريطه بترك ما يجب، وهذا إنما يحكم فيه أهل الخبرة في هذا المجال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني