الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام الهبة الجائرة للبنين دون البنات والزوجة

السؤال

جدي -والد أمي- لديه تسعة أولاد: سبع بنات متزوجات، وابنان.
قام جدي بتوزيع أملاكه على ابنيه في حياته قبل وفاته؛ لكيلا ترث بناته منه شيئا. وهذا برضا وطلب من جدتي، علماً أن واحدا منهما في أوروبا. وخالي الثاني مقيم مع جدي وجدتي في نفس البناء. وهذا المقيم معهما راضٍ عن تصرفاتهما، وطلب من جدي أن ينقل حتى ملكية السيارة باسمه؛ لكيلا يكون لأخواته منها شيء، وبالفعل جدي وجدتي غير معارضين.
إخوة جدي لا يمرّ أسبوع تقريباً إلا ويذكرونه بأنّ ظلم البنات في الميراث حرام، ولا يجوز لك حرمانهن.
وبسبب كثرة إلحاحهم وتذكرتهم له أصبح يتجنب لقاءهم، ومعاملته مع بناته يسودها الجفاء، وخالية من الحنان ولو بكلام طيب، رغم أن منهن من توفي زوجها بالقصف، ولم يساعدها بالمصروف على الأولاد.
وأمي وخالاتي لا يمكنهنّ أن يفاتحن جدي وجدتي في هذا الموضوع، فكلما ناقشنهما يقولان بأن البنات طماعات برزق أهلهنّ، وأن حديثهنّ في الميراث عقوق كما يقولان. والله يعلم أن أمي وخالاتي بارّات بوالديهنّ، ولا يمر يوم دون تواصل معهما، أو مساعدة جدتي في أمورها المنزلية فليس لها معين بعد الله إلا هنّ.
سؤالي هو: كيف يمكن لأمي أن تحصل على حقها من الميراث المفروض لها شرعاً؟
فوالله يا شيخ هذا عين الظلم أن يرى جدي بناته في حاجة لهذا المال سواءً لتزويج أبنائهن -وهذا ما يحتاجه أي شاب يريد أن يعف نفسه ويصرف عنها الحرام- أو في غيرها من الأمور... بينما أحفاد ابنيه في أوروبا يتسكعون ويملكون اللازم وغير اللازم، ولا حاجة لهم بكل هذه الأموال التي تقدر بما يفوق ثلاثة ملايين دولار.
وهل إن عجزت أمي عن تحصيل حقها بعد طلبه من جدي وخالي، أن تظفر بهذا المال إن لم تستطع تحصيله بالقضاء؟
أي هل يمكن لها أن تأخذ ما يقارب نصيبها من الميراث دون علم جدي وخالي؟
علماً أن جدي وزع أملاكه على ابنيه، وبقي شيء من المال نقدا لا يستخدمه أبدا، وهو يدخره ويخبئه لخالي الذي سيأتي من أوروبا إلى سوريا للزيارة.
أرجو أن تعطوني إجابة مطولة واضحة خاصة بحالتي، فكلامهم يتعب نفسياتنا جداً؛ لأننا بحاجة شديدة إلى هذه الأموال التي سيأخذونها بغير حق من أمي.
والله سميع بصير، وعلى ما أقول شهيد.
أعتذر عن الإطالة.
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجوابنا يتلخص فيما يلي:
أولا: ما دام أن جدك لا يزال حيا، فإن أمواله لا تعتبر ميراثا، سواء ما أعطاه لأولاده الذكور، أو ما حرم منه الإناث، وليس لأحد أن يطالب بشيء على اعتبار أنه حقه من الميراث.
ثانيا: ما أعطاه جدك لابنيه دون الإناث، يعتبر هبة، وتجري عليه أحكام الهبة من اشتراط القبض، وأن تكون في غير مرض مخوف، وانظر الفتوى: 261619 عن الشروط الشرعية لصحة نفاذ الهبة.
ثالثا: إيثار جدك للذكور بالهبة دون الإناث، خلاف العدل الذي جاء به الشرع، فقد قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ {النحل:91}. وذلك التفريق في الهبة سماه النبي صلى الله عليه وسلم جورا، كما في حديث النعمان بن بشير لما آثره أبوه بشيرٌ بهبة دون بقية أولاده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وفي لفظ لمسلم في الصحيح: يَا بَشِيرُ؛‍ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ.
رابعا: إذا مات جدك قبل أن يعدل في هبته -إما برد ما وهبه للذكور، أو إعطاء البنات ما يتحقق به العدل- فقد اختلف الفقهاء في رد تلك الهبة الجائرة بعد وفاته، وقد ذكرنا أقوالهم في الفتوى: 161261، والفتوى: 332782.

وعلى القول بأن تلك الهبة ماضية بعد الوفاة ولا ترد ـ كما هو قول المذاهب الأربعةـ فإنه ليس للبنات أن يأخذن شيئا خفية من التركة المتبقية، بحجة أن والدهن لم يعدل وحرمهن من تلك الهبة.
خامسا: ينبغي لمن له تأثير على جدك أن يذكره بالله -تعالى- ويعظه لعله أن يعدل قبل أن يموت، واستعينوا بمن له قبول عنده من أهل العلم، فإن تلك الهبة الجائرة تزرع الأحقاد بين الأولاد والأحفاد، وربما يتحمل وزرها بعد مماته.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني