الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشاعر الجفاء تجاه الوالد هل تعد من العقوق؟

السؤال

أبي آذاني كثيرًا منذ صغري، ولم تلتئم تلك الجروح بعد، ولا زالت آثارها بارزة على شخصيتي، وطريقة حديثي، وثقتي بنفسي، وقدرتي على التعامل مع الحياة والناس، وطمأنينة نفسي، ورغم كل ذلك سامحته، ودعوت الله أن يغفر له في الدنيا والآخرة؛ فهو والدي مهما حصل، وما يؤلمني أنني لا أستطيع الجلوس مع أبي كثيرًا، والحديث معه، ولا مصارحته بما في بالي، والحديث معه بشفافية، ووضوح، وطمأنينة.
ومع ذلك فأنا أسارع في تلبية طلباته، وأحاول ألا أغضبه، ولا أفعل ما يرفضه، لكني لا أستطيع الجلوس معه كثيرًا، ولا أكون مرتاحًا عند ذلك، وأشعر أن هناك العديد من الحواجز بيني وبينه، ولا أستطيع تخطّيها، وقد حاولت -ليس كثيرًا- أن أقترب منه، ولكني أجد صدودًا وجفاءً في معظم الأحيان، وهو لا يتجاذب معنا أطراف الحديث، ولا يسأل عن أحوالنا، ولكن مع ذلك فهو -مع من سوانا- حنون، وعطوف، وسؤول، وودود، فهل ما أفعله من العقوق؟ وهل سيحاسبني الله عليه؟ فهو ليس بيدي، وقلبي ليس بيدي، ولست أنا من أتحكم في مشاعري ومودتي تجاهه، فهل أنا محاسب على جفائي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد أحسنت بما ذكرت من مسامحتك لأبيك، ودعائك له بالمغفرة في الدنيا والآخرة، ومسارعتك إلى تحقيق طلباته؛ فالأب يبقى أبًا، وإساءته لا تسقط برّه، والإحسان إليه، كما أوضحنا في الفتوى: 435385.

ومجرد المشاعر القلبية تجاهه -من الكُرْه، ونحوه-، لا مؤاخذة عليك فيه؛ لأن الإنسان لا اختيار له فيها، ولا تكليف إلا بمستطاع، قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}، وقال: لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286}.

والعقوق إنما يحصل بصدور قول، أو فعل من الولد يؤذي الوالد، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وهو يبين معنى العقوق: والمراد به: صدور ما يتأذّى به الوالد من ولده، من قول، أو فعل، إلا في شرك، أو معصية، ما لم يتعنّت الوالد. اهـ.

وإذا كنت قد تركت محاولة القرب منه، والجلوس إليه بسبب ما تجد منه من الصدود والجفاء؛ فنرجو أن لا حرج عليك في ذلك.

ووجوه البِرّ التي يمكن أن توصلها إليه كثيرة، ومنها: الدعاء، والصلة بالمال، ونحو ذلك، وتفقّد الأحوال، ونحو ذلك، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وقال ابن أبي جمرة: تكون صلة الرحم بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر ، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء.

والمعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر، بحسب الطاقة. اهـ.

ونرجو أن تتواصل لمزيد من التوجيهات مع قسم الاستشارات بموقعنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني