الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يحق لقريب المعتدَى عليه أن يرد بالمثل؟

السؤال

إذا تعرّض شخص ما لأخي، أو لأختي مثلًا. فهل أستطيع أن أعتدي عليه بالمثل، أم يجب أن يكون الشخص الذي اعتُدي عليه هو من يرد الاعتداء؟
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمعتدَى عليه هو صاحب الحق، سواء في العفو، أم في القصاص، والقاعدة عند الفقهاء على اختلاف مذاهبهم أن: «من لا يملك ‌العفو، ‌لا ‌يملك ‌الأخذ»، كما ذكر ابن قدامة الحنبلي في المغني، والروياني -الشافعي- في بحر المذهب، والعيني -الحنفي- في البناية.

ومعنى القاعدة - كما ذكر محمد صدقي في موسوعة القواعد الفقهية- أن: من لا يملك إسقاط الحق عمّن هو عليه، لا يملك أخذ الحقّ، إنّما يملك الأخذ من يملك الإسقاط والتّرك. اهـ.

وعلى ذلك، فليس لغير المعتدَى عليه أن يقتص من الظالم، أو يطالب بالقصاص من المعتدي ..

هذا مع التنبيه على أن إقامة القصاص لا يكون إلا بتمكين الجهات المختصة من المحاكم الشرعية والقضاة ونحوهم، ولا يستبد المرء في ذلك برأيه ولا يقيمه بنفسه، لأنه لا يؤمن حَيْفه وتعدِّيه، كما لا يؤمن وقوع النزاع والخلاف في تحقيق العدل في القصاص.

ولذلك قال الشيرازي في المهذب: لا يجوز استيفاء القصاص إلا بحضرة السلطان؛ لأنه يفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفي. اهـ.

وقد أمعن في ذلك كثير من أهل العلم، حتى منعوا السلطان من تمكين المعتدَى عليه من إقامة القصاص بنفسه فيما دون النفس.

وهذا مذهب المالكية والشافعية، وقول عند الحنابلة، قالوا: لأنه لا يؤمن مع قصد التشفي أن يجني عليه بما لا يمكن تلافيه، كما جاء في الموسوعة الفقهية.

وقال ابن قدامة في «المغني»: يحتمل أن لا يمكن من استيفائه بنفسه، ‌ولا ‌يليه ‌إلا ‌نائب ‌الإمام، أو من يستنيبه ولي الجناية.

وهذا مذهب الشافعي؛ لأنه لا يؤمن مع العداوة وقصد التشفي، أن يحيف في الاستيفاء بما لا يمكن تلافيه، وربما أفضى إلى النزاع والاختلاف، بأن يدعي الجاني الزيادة، وينكرها المستوفي. اهـ.

ولو كانت المظلمة والتعدي بسب أو شتم، فللمظلوم أن ينتصر لنفسه برد السيئة بمثلها، وليس لغيره أن يتولى ذلك عنه، والعفو أفضل.

قال ابن تيمية في السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية: والقصاص في الأعراض مشروع أيضا: وهو أن الرجل إذا لعن رجلا، أو دعا عليه، فله أن يفعل به كذلك، وكذلك إذا شتمه بشتمة لا كذب فيها. والعفو أفضل. قال الله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين} ..." انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني