الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسائل إصلاح الأب الذي يقيم علاقة محرمة مع امرأة أجنبية

السؤال

اكتشفت منذ بضع سنين أن أبي على علاقة محرمة مع امرأة، فاخترت أن أستر عليه، وأن أناصحه رغم عظم غضبي عليه، فكان آنذاك ينفي الأمر رغم بيان الأدلة (مراسلات على النت، صور تبعثها إليه شريكته في الإثم...)، ويأتي بشتى الأكاذيب.
على كل؛ شيئا فشيئا، تحول الكذب إلى اعتراف ضمني، واستحال الجهر نوعا من العلانية والجرأة، ولم يتغير من الأمر شيء، حتى اضطررت إلى إخبار أخي عَلَّه يكون لي عونا، ولم نزل عندها نكتم الأمر عن أمنا عَلَّ أبانا يعود ويهتدي.
مر الزمن، وأتانا خبر مرض أبي العام الماضي بالسرطان -شفى الله مرضانا، ومرضى المسلمين- فحزنت لألمه أيما حزن، ولكن كذلك استبشرت إذ قلت في نفسي لعل رهبة الموت تتخلل قلبه الآن. للأسف لم يزد إلا عنادا، وفوق كل ذلك زادت سوء معاملته لأمي، إلى أن حصلت الفاجعة في الأيام الفائتة هذه بعد أن أهانها فوق الحد (وكأن للإهانة حدًّا تقبل فيه أصلا)، حتى غضب أخي، فأخبر أمي حنانا عليها أنها لا يجب أن ترضى بهذه المعاملة، وأردف يزف لها خبر والدي. ارتفع ضغط دمها، وكدنا نفقدها -حفظها الله-.
والعجب العجاب الآن، هو أني ذهبت وأخي نعزر أبانا، ونذكره بحرمة عمله، وبأن ذلك منكر وحرام (يعني فعلنا ذلك بشتى الطرق على مر السنين)، وحاولنا هذه المرة أن نغلظ في القول دون أن نقلل الاحترام، وطلبنا منه أن يقطع علاقته بهذه المرأة، ويعتذر من أمنا، فطفق يؤنبنا ويقول ما معناه بأن تلك حياته، ولا دخل لنا فيها، وأصحابه السيئون يؤيدون رأيه، ويحرضونه (كانوا يتنصتون في الحجرة المقابلة) وها هو ذا الآن غاضب، ومقيم في سكن وحده. ماذا نعمل؟ هل لنا أن نقطع علاقتنا بأعمامنا، فهم كانوا يعلمون كل شيء، ويخفونه عنا، كونهم يتقاضون منه أجرا على ذلك؟ وماذا نفعل مع امرأة السوء هذه، هي مطلقة مع رضيعة من رجل آخر، ألا نخبر طليقها حتى يأخذ الحضانة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن صح ما ذكرت عن أبيك من إقامته علاقة غير شرعية مع امرأة أجنبية عليه؛ فقد أتى أمرا منكرا، فاتخاذ الخليلات من أخلاق الجاهلية التي جاء الشرع بتحريمها، كما في قوله عز وجل: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ {المائدة:5}.

وسعيكم في هدايته، وحمله على الصلاح سعي مشكور، وهو من أعظم البر به، ونوصيكم بكثرة الدعاء له، فالله على كل شيء قدير، وهو قادر على إصلاحه، فقلوب العباد بين يديه يقلبها كيف يشاء، وقد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، قال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى: 119608. ففيها بيان آداب الدعاء وأسباب إجابته.

وينبغي الاستمرار في سبيل إصلاحه، وبذل النصح له، ولكن بالحسنى، ولا يجوز لكم الإغلاظ عليه بحال، فإن لم يستجب لكم فدعوه مع كثرة الدعاء له؛ كما أسلفنا، والإنكار على الوالد ليس كالإنكار على غيره.

قال ابن مفلح في كتاب الآداب الشرعية: فصل من أمر الوالدين بالمعروف وينهاهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه يعلمه بغير عنف ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. اهـ.

وإن كان أعمامكم قد أخفوا عنكم حال أبيكم، ولم يخبروكم بذلك، فقد يكون لهم غرض صحيح في ذلك بالستر عليه، وعدم فضحه، وأن يجتهدوا معه لإرشاده لصوابه، ورده إلى جادة الحق، فحينئذ لا يكونون مسيئين بذلك، بل هم محسنون، وهذا بخلاف ما إذا ثبت أنهم أعانوه على معصيته، فيكونون شركاء له في الإثم، قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.

وينبغي نصحهم في هذه الحالة بالتوبة من ذلك، ولا يجوز لكم قطيعتهم بحال، فهم من أرحامكم، ولكن يجوز الهجر من غير قطيعة، فهجر العاصي جائز، ولكنه يخضع للمصلحة، فيترك الهجر إن خشي أن يزيد صاحبه عنادا.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: فإن كانت المصلحة في ذلك -أي: في هجر العاصي- راجحة، بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر، وخفيته؛ كان مشروعًا. وإن كان لا المهجور، ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته؛ لم يشرع الهجر.. بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتألف قومًا، ويهجر آخرين. اهـ.

وهذه المرأة كغيرها؛ حقها النصح لها، وتخويفها بالله -عز وجل-، فلعلها تتوب، وترجع إلى الله، فإن فعلت؛ فالحمد لله، وإلا؛ فيمكن تهديدها بإخبار وليها ليأخذ بيدها، فإن انتهت فذاك، وإلا ينبغي أن يلمح لوليها بمراقبتها والأخذ بيدها.

وفسقها يسقط حقها في الحضانة عند أكثر العلماء، فإنها بذلك قد تؤثر على المحضون، وتفسد أخلاقه، فينبغي أيضا إن لم ترتدع أن يلمح لوالد الرضيعة بالسعي في إسقاط حضانتها، وجعلها عند من هي أولى بها بعد أمها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني