الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيع الذهب غير المَصوغ أو المَصوغ بالدَّين

السؤال

أعمل محاسبًا في مصنع ذهب يبيع الذهب للتاجِر الأول -دون أن يستلمه، أو يدفع ثمنه، بل يسجّل عليه ثمنه دَينًا فقط-، ثم يتصرّف المصنع في الذهب الذي بيع للتاجر الأول ولم يستلمه بإعادة بيعه في السوق.
ثم يبيع التاجر الأول الذي اشترى الذهب ولم يدفع ثمنه جزءًا من الذهب الذي له للمصنع مرة ثانية بعد ارتفاع ثمنه، ويأخذ الثمن، ويبيع الجزء الآخر للتاجر الثاني، ويصبح التاجر الأول دائنًا للتاجر الثاني بالجزء الذي باعه، ويصبح المصنع دائنًا للتاجر الأول، فما حكم هذه المعاملة؟ وما حكم العمل في هذا المكان؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالذهب غير المصنوع أو المصوغ، لا يجوز بيعه بالنقد نسيئة قولًا واحدًا، وكذلك المصنوع منه عند جماهير الفقهاء، وراجع في ذلك الفتاوى: 134880، 3079، 41159، 115720.

والراجح هو قول الجمهور في حرمة النَّساء (التأخير) في بيع الذهب المصنوع بالنقد؛ لعلة الثمنية فيهما جميعًا، قال ابن قدامة في «المغني»: لا خلاف في إباحة التفاضل في الذهب بالفضة، مع تقارب منافعهما.

فأما النَّساء؛ فكل جنسين يجرى فيهما الربا بعلة واحدة، كالمكيل بالمكيل، والموزون بالموزون، والمطعوم بالمطعوم، عند من يُعلِّل به؛ فإنه يحرم بيع أحدهما بالآخر نَساء، بغير خلاف نعلمه؛ وذلك لقوله عليه السلام: "فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، يدًا بيد". وفي لفظ: "لا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما، يدًا بيد، وأما نسيئة فلا، ولا بأس ببيع البُرّ بالشعير، والشعير أكثرهما، يدًا بيد، وأما النسيئة فلا". رواه أبو داود. إلا أن يكون أحد العوضين ثمنًا، والآخر مثمَنًا؛ فإنه يجوز النَّساء بينهما بغير خلاف. اهـ.

وإذا اجتمع النَّساء في البدلين -كما هو الحال المسؤول عنه- تحقّقت الحرمة؛ لإجماع العلماء على حرمة بيع الكالئ بالكالئ، أو الدَّين بالدَّين، قال ابن المنذر في «الإجماع»: ‌وأجمعوا على أن ‌بيع ‌الدَّين ‌بالدَّين لا يجوز. اهـ.

وقال في «الإشراف»: وممن حفظنا عنه أنه قال: لا يجوز ‌بيع ‌الدَّين ‌بالدَّين: مالك، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والكوفيّ، وقال أحمد: إجماع أن لا يباع دَين بدَين. اهـ.

وقال ابن هبيرة في «اختلاف الأئمة العلماء»: ‌واتفقوا على أن ‌بيع ‌الكالىء ‌بالكالىء، وهو الدَّين بالدَّين .. باطل. اهـ.

وقال ابن القطّان الفاسيّ في «الإقناع في مسائل الإجماع»: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن ‌بيع ‌الدَّين ‌بالدَّين لا يجوز. اهـ.

وعلى ذلك؛ فلا يجوز قطعًا البيع بالطريقة المذكورة في السؤال!

وأما عمل السائل محاسبًا في هذا المصنع، فإن كان المصنع لا يتعامل إلا بهذه الطريقة المحرّمة؛ فلا يجوز العمل فيه؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم.

وأما إن كان المصنع يخلِط في معاملاته بين ما يحلّ وما يحرُم من طرق البيع؛ فيمكنه العمل فيه، إذا قدر على اجتناب المعاملات المحرّمة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني