الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يبرّ الولد أمّه التي يكرهها لأنها تؤذيه وتظلمه؟

السؤال

ما حقوقي على أمّي؛ فهي تظلمني ولا تُبالي؟ وكيف أبرّها وقد تأذّيت منها وأنا أكرهها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنّ حقّ الأمّ عظيم، وبرّها وطاعتها في المعروف من أوجب الواجبات، كما أنّ عقوقها من أكبر الكبائر الموبقات.

وكما أنّ للوالدين حقًّا في البِرّ والإحسان؛ فإنّ للولد على والديه حقًّا في التأديب والتعليم، والعدل بينه وبين إخوته، قال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير: كما أن لوالديك عليك حقًّا، كذلك ‌لولدك ‌عليك ‌حقًّا، أي: حقوقًا كثيرة، منها: تعليمهم الفروض العينية، وتأدبّهم بالآداب الشرعية، والعدل بينهم في العطية، سواء كانت هبة، أم هدية، أم وقفًا، أم تبرّعًا آخر، فإن فَضّل بلا عذر؛ بطل عند بعض العلماء، وكره عند بعضهم. انتهى. وراجع الفتويين: 452536، 190121.

لكن لا يسقط حقّ الأمّ على الولد بظلمها له، أو إساءتها إليه، جاء في الأدب المفرد للبخاري -رحمه الله-: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. انتهى.

وإذا كان الولد يكره أمّه؛ فلا يجوز أن يمنعه ذلك من برّها، والإحسان إليها؛ فالمحبة والكراهية قد لا يملكها الإنسان. أمّا الأعمال البدنية فيملكها، وراجع الفتوى: 387106.

وقد حُفَّت الجنة بالمكاره، وجعل الله الخير في أمور تكرهها النفس؛ فمخالفة الهوى والصبر على المكاره؛ من أسباب رضوان الله، ودخول الجنة.

فمما يعينك على برّ أمّك، والإحسان إليها: أن تجاهد نفسك، وتستعين بالله تعالى، وتخلص النية لوجهه، وتستحضر فضل برّ الوالدين، وما جعل الله له من المكانة، وما وعد عليه من الأجر، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.

وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.

قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ: خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا. وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ، مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.

كما أن برّ الأمّ خاصة من أفضل الطاعات، وأعجلها ثوابًا، وأرجاها بركة في الرزق والعمر، ففي الأدب المفرد للبخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: .. إِنِّي لَا أَعْلَمُ عَمَلًا أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَةِ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني