الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خالف الشروط فوجبت عليه غرامة ولم يعلم بها فماذا يصنع؟

السؤال

دخلت دورة للتدريب على تكنولوجيا المعلومات يعطى فيها المتدرب مكافأة شهرية مرتبطة بالغياب ومواعيد الحضور والانصراف -كأن يعتبر المتدرب غائبا إذا تأخر عن موعد الحضور ب15 دقيقة يعتبر غائبا هذا اليوم- و إذا زاد غياب المتدرب عن 18 يوماً توقع عليه غرامة قدرها 10000 جنيه.فإذا كان القائمون علي اخذ الغياب و متابعة الحضور والانصراف وتوقيع الغرامة يتساهلون في ذلك:فأولا: ما حكم المكافأة الشهرية إذا كنت أتأخر عن الحضور في بعض الأيام وقد انصرف مبكرا هل تكون حراما.ثانيا: إذا كنت إذا لم يتساهلوا تزيد أيامي من الغياب عن حد ال18 يوما وبالتالي تقع علي الغرامة – لكنها لم تقع للتساهل- هل يجب علي أمام الله لو كنت أملك قيمة الغرامة أن أتصدق بها-لأنني لم أطالب بها من الجهة المسؤولة عن ذلك- لأنها أصبحت مالا حراماً وماذا إذا لم أكن أملك قيمة الغرامة

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أن المسلم إذا دخل في عمل والتزم بشروطه الجائزة وجب عليه الوفاء بتلك الشروط، ففي الحديث الصحيح: المسلمون على شروطهم.

فالمسلم إذا قال صدق وإذا وعد وفى، وأما بالنسبة للمكافأة الشهرية وربطها بالحضور والغياب، فينظر في شروط استحقاقها، فإن كان من الشروط أن من تغيب كذا يوماً لا يستحقها أولا يستحق بعضها، عمل بهذا الشرط، وحرم مخالفته ولم يستحق المخالف منها إلا ما شرط عليه، وفي الحديث: المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأصل في العقود رضى المتعاقدين، ونتيجتها هو ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقد.

ثم ذكر أن الشرط يبطل في حالتين:

الأولى: إذا كان للعقد مقصود يراد جميع صوره ثم شرط ما ينافي ذلك المقصود كان العقد باطلاً لأنه جمع بين متناقضين بين إثبات المعقود ونفيه، قال: ومثل هذا الشرط باطل بالاتفاق.

الثاني: أن يكون الشرط ينافي مقصود الشارع، فإذا كان الشرط منافياً لمقصود العقد كان العقد لغواً، وإن كان منافياً لمقصود الشارع كان مخالفاً لله ورسوله، فأما إذا لم يشتمل على واحد منهما، فلا وجه لتحريمه بل الواجب حله، لأنه عمل مقصود للناس يحتاجون إليه.

وقال ابن القيم: كل شرط لا يخالف حكم الله، ولا يناقض كتابه وهو مما يجوز تركه وفعله بدون شرط، فهو لازم بالشرط. ا.هـ

والشرط الذي بموجبه يحرم المشترك من المكافأة شرط صحيح، لأنه لا ينافي مقصود العقد وهو الدراسة، كما أنه لا ينافي كتاب الله تعالى، وعليه فنتيجيته واجبة في حق المشترك إذ أوجب على نفسه ذلك برضاه.

وبالنسبة لتساهل القائمين على مواعيد الحضور والانصراف فإن كان مأذوناً لهم في هذا التساهل من الجهة المختصة فلا بأس، وإن لم يك مأذوناً لهم فيعتبر التساهل خيانة منهم للعمل، ولا اعتبار بهذا التساهل في حق المتدرب، فيجب عليه إرجاع المبالغ التي يجب إرجاعها، وأما بشأن الغرامة المترتبة على الغياب وهل تلزم المتدرب أم لا؟ فالظاهر أنها تلزمه بشرطها، وإنما لزمته بالشرط والوعد الذين بموجبهما أذن له في دخول هذه الدورة، والقاعدة الفقهية تقول: ما يجوز بذله وتركه دون اشتراط فهو لازم بالشرط.

وأيضاً فإن الوعد يلزم الشخص ديانة وقضاء إذا باشر الموعود العمل بسبب العدة، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: الوعد وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، هو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد، ويتحدد أثر الالزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر. ا.هـ

فالحاصل أن هذه الغرامة إذا استحقت للجهة المنظمة للدورة بالشرط المتفق عليه، فعلى المتدرب إخبار هذه الجهة بهذا الأمر ثم هم بعد ذلك أن شاؤوا أخذوها وإن شاؤوا عفوا عنه، ولا ينتظر حتى تطلب منه لأنها حق تعلق بذمته، فوجب دفعه لأصحابه، وأصحابه هم منظموا الدورة، أما التصدق بها فلا وجه له، ولو فعل لما برئت ذمته، وإذا كان الشخص لا يملك قيمة هذه الغرامة الآن فإنها تبقى ديناً عليه حتى يرده إلى أهله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني