الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم غيبة الكذاب مع الدعاء له بالهداية

السؤال

جلست مع اثنين من أصدقائي، وتحدثنا عن خصلة من خصال صديقنا الثالث، وهي الكذب الكثير الظاهر، حيث ذكر كل واحد منا كذبة قالها ذلك الشخص. وبعد ذلك طلبنا له الهداية.
فهل هذا يعني أننا اغتبناه، مع أننا ذكرنا شيئا موجودا فيه بكثرة، ولا يتوقف عن فعله، بل ويجلب الإحراج لنا أحيانا كأصدقاء له.
وإذا تحققت الغيبة. فكيف نُكفِّر عن هذا الذنب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الله -سبحانه- قد حرم الغيبة في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً {الحجرات: 12}.
وقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت. رواه الشيخان عن أبي بكر رضي الله عنه.
وهذا الحكم يشمل أهل الطاعة وأهل المعصية، إلا اذا كانت هناك مصلحة معتبرة شرعا، فتجوز الغيبة بقدر المصلحة، وبنية تحقيق المصلحة لا للتشفي بتنقصه، ويدخل في هذا التحذير من أهل المعاصي والتشهير بهم إن كان ذلك يردعهم عن التمادي في المعاصي.
وما أقدمتم عليه من ذكر كذبات صديقكم هو داخل في الغيبة المحرمة، ولو كانت هذه الصفة موجودة فيه، ويكثر منه وقوعه فيها، كما في الحديث: قيل: ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.
ولا يرفع عنكم إثم الغيبة أنكم دعوتم له بالهداية، بل قد عدّ أبو حامد الغزالي -رحمه الله- ذلك من أخبث أنواع الغيبة، فقال في إحياء علوم الدين: وأخبث أنواع الغيبة غيبة القراء المرائين، فإنهم يُفْهِمون المقصودَ على صيغة أهل الصلاح ليظهروا من أنفسهم التعفف عن الغيبة، ويُفْهِمون المقصودَ. ولا يدرون بجهلهم أنهم جمعوا بين فاحشتين: الغيبة والرياء وذلك مثل .... فذكر بعض الصور، ومنها قوله: وَكَذَلِكَ يَقُولُ: ذَلِكَ الْمِسْكِينُ قَدْ بُلِيَ بِآفَةٍ عَظِيمَةٍ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْنَا وعليه، فهو فِي كُلِّ ذَلِكَ يُظْهِرُ الدُّعَاءَ، وَاللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى خُبْثِ ضَمِيرِهِ، وَخَفِيِّ قَصْدِهِ. وَهُوَ لِجَهْلِهِ لا يدري أنه قد تعرض لمقت أعظم مما تعرض له الجهال إذا جاهروا. اهـ.
فاحذر ـ أخي السائل- أنت وأصدقاؤك من أن تتصفوا بمثل صفات هؤلاء الذين يجمعون بين ذم غيرهم، وتزكية أنفسهم.
والواجب على من اغتاب أخاه أن يتوب إلى الله، وهل يُشترط لصحة التوبة إعلامه أو التحلل منه أم لا؟

راجع في ذلك الفتويين: 66515، 454702.
وما سبق ذكره إنما هو فيمن لم يكن مجاهراً بالمعصية، وأما من كان مجاهراً بالمعصية فإنه يجوز التشهير به؛ لَعَلَّه يَرْتَدِع.

قال الحافظ في الفتح: وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته، جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به. انتهى.
ونقل أيضاً عن ابن العربي وهو يتحدث عن الستر على النفس، قوله: هذا كله في غير المجاهر.

فأما إذا كان متظاهراً بالفاحشة مجاهراً، فإني أحب مكاشفته، والتبريح به؛ لينزجر هو وغيره. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني