الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الواجب على المأموم عند فعل الإمام ما يُبطِل الصلاة في اعتقاده

السؤال

ماذا يفعل المأموم إذا قام الإمام بشيء يُبطِل الصلاة، إذا كان الفعل المُبطِل مختلفًا في إبطاله الصلاة، فيرى المأموم أنه مُبطل للصلاة، بينما الإمام لا يراه كذلك؟ وماذا يفعل في حالة كان الفعل المُبطل مجمعًا عليه؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان الإمام يعتقد أن فعلًا معينًا لا يبطل صلاته، والمأموم يعتقد أنه يبطلها؛ فإن صلاة الإمام صحيحة، وكذلك تصحّ صلاة المأموم؛ بناء على ما رجّحه بعض أهل العلم، جاء في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: مسألة: في أهل المذاهب الأربعة: هل تصحّ صلاة بعضهم خلف بعض أم لا؟

الجواب: الحمد لله، نعم، تجوز صلاة بعضهم خلف بعض، كما كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان، ومن بعدهم من الأئمة الأربعة يصلي بعضهم خلف بعض، مع تنازعهم في هذه المسائل المذكورة، وغيرها. ولم يقل أحد من السلف: إنه لا يصلي بعضهم خلف بعض.

وبالجملة؛ فهذه المسائل لها صورتان:

إحداهما: أن لا يعرف المأموم أن إمامه فعل ما يبطل الصلاة؛ فهنا يصلي المأموم خلفه باتفاق السلف، والأئمة الأربعة، وغيرهم.

الصورة الثانية: أن يتيقن المأموم أن الإمام فعل ما لا يسوغ عنده -مثل أن يمسّ ذكره، أو النساء لشهوة، أو يحتجم، أو يفتصد، أو يتقيأ، ثم يصلي بلا وضوء-، فهذه الصورة فيها نزاع مشهور:

فأحد القولين لا تصحّ صلاة المأموم؛ لأنه يعتقد بطلان صلاة إمامه، كما قال ذلك من قاله من أصحاب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد.

والقول الثاني: تصحّ صلاة المأموم، وهو قول جمهور السلف، وهو مذهب مالك، وهو القول الآخر في مذهب الشافعي، وأحمد؛ بل وأبي حنيفة، وأكثر نصوص أحمد على هذا.

وهذا هو الصواب؛ لما ثبت في الصحيح، وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يصلّون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم»؛ فقد بيَّن صلى الله عليه وسلم أن خطأ الإمام لا يتعدّى إلى المأموم، ولأن المأموم يعتقد أن ما فعله الإمام سائغ له، وأنه لا إثم عليه فيما فعل؛ فإنه مجتهد، أو مقلد مجتهد، وهو يعلم أن هذا قد غفر الله له خطأه؛ فهو يعتقد صحة صلاته، وأنه لا يأثم إذا لم يعدها، وإذا كان الإمام قد فعل باجتهاده، فلا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها، والمأموم قد فعل ما وجب عليه، كانت صلاة كل منهما صحيحة، وكان كل منهما قد أدّى ما يجب عليه، وقد حصلت موافقة الإمام في الأفعال الظاهرة.

وقول القائل: إن المأموم يعتقد بطلان صلاة الإمام، خطأ منه؛ فإن المأموم يعتقد أن الإمام فعل ما وجب عليه، وإن الله قد غفر له ما أخطأ فيه، وأن لا تبطل صلاته لأجل ذلك. اهـ باختصار.

لكن المأموم إذا أمكنه فعل ما تركه إمامه؛ فإنه يفعله، جاء في المجموع للنووي: وإذا صححنا اقتداء أحدهما بالآخر، وصلّى شافعي الصبح خلف حنفي، ومكث الإمام بعد الركوع قليلًا، وأمكن المأموم القنوت، قنت، وإلا تابعه، وترك القنوت، ويسجد للسهو على الأصح، وهو اعتبار اعتقاد المأموم.

وإن اعتبرنا اعتقاد الإمام لم يسجد. اهـ

أما إذا كان الأمر الذي ارتكبه الإمام يبطل الصلاة من غير خلاف؛ كصلاته مُحْدِثًا مثلًا وهو يعلم ذلك، مع علم المأموم بحدث إمامه؛ فإن صلاة الجميع باطلة، وانظر الفتوى: 157141.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني