الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يُطلَب فيه اليقين وما لا يُطلَب

السؤال

جزاكم الله عنا خيرا، ورفع الله قدركم جميعا في الدنيا والآخرة.
السؤال عن (اليقين في الله)
عرف العلماء اليقين بأنه -كما قال ابن سعدي- "اليقين: هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك، الموجب للعمل" انتهى من "تفسير السعدي" ص(40).
وقال بعضهم: "ظهور الشيء للقلب بحيث يصير نسبته إليه، كنسبة المرئي إلى العين، فلا يبقى معه شك ولا ريب أصلا. وهذا نهاية الإيمان، وهو مقام الإحسان" ينظر "مدارج السالكين"(2/399)
السؤال هو: كيف ‏يجمع العبد بين اليقين ‏الذي يقتضي عدم وجود الشك أصلا، وبين حكمة الله البالغة التي لا يعلمها إلا هو سبحانه؟
وسوف أوضح لحضراتكم الأمر بمثال، حتى يكون الأمر واضحا وجليا إن شاء الله.
وهو: عندما يتداوى المريض بالقرآن، فإن من أسباب الشفاء أن يكون المريض على يقين تام بأن الله -عز وجل- سيشفيه. وأيضا في نفس الوقت يكون المريض عنده شك، وإن كان هذا الشك يسيرا، أن الله -عز وجل- من الممكن ألا يشفيه؛ لحكمة بالغة في مصلحة العبد لا يعلمها إلا هو -سبحانه- فكيف نجمع بين اليقين التام في أن الله سيشفي المريض، وبين وجود ذرة شك أن الله -عز وجل- من الممكن أن لا يشفي المريض، لحكمة بالغة لا يعلمها إلا هو. ‏فكيف يحقق المريض اليقين إذن؟
‏وهناك مثال آخر حتى يتضح الأمر أكثر، وهو: لو أن رجلا مخلصا، وعنده يقين تام بالله، أنه سوف يوفقه للذهاب للحج قبل موته، وفي نفس الوقت بداخله شك وإن كان يسيرا أن الله -عز وجل- من الممكن أن يمنع عنه الحج؛ ‏لحكمة بالغة، لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.
فكيف في هذه الحالة يحقق العبد اليقين؛ لأنه كما قلنا: فاليقين هو العلم التام الذي لا يوجد فيه أدنى شك؟
وجزاكم الله خيرا.
أتمنى أن يكون السؤال واضحا.
أنا لا أتوجه بمثل هذه الأسئلة إلا للعلماء الأفاضل مثل حضراتكم؛ لأنني أحب موقعكم، وأرى فيه علما غزيرا -تبارك الله- وأسأل الله أن يجزيكم كلكم خيرا، وأن يجعل عملكم في ميزان حسناتكم يوم لقائه.
ولا تنسوني من صالح دعائكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه الأمثلة التي ذكرتها مما لا يطلب فيه اليقين، وإنما يطلب اليقين في معرفة الله -تعالى- والإيمان به، وباليوم الآخر، وبصدق النبي صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك من مطالب الإيمان العالية.

قال تعالى: وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {البقرة:4}. وقال: لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ {الرعد:2}. وقال: هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ {الجاثية:20}.

وراجع للفائدة، الفتوى: 99547.

ويجب أن توقن بحكمة الله تعالى، ولا يتعارض هذا مع ما ذكرته من التعريفات، فإنك توقن يقينا جازما بحكمة الله وإن لم تظهر لك، أو لم تتبين وجهها، فإذا حصل خلاف ما تظنه الحكمة، رجعت إلى يقينك في الله، وجزمت بأن ما قدره الله هو الحكمة والمصلحة، ولم تَرْتب في ذلك قيد شعرة. وبذلك يحصل الجمع المسؤول عنه.

وعليك أن تعلم أن الخير قد يكون في حصول هذا الشيء الذي يدعو به الشخص، أو في غيره، ولا يعلم الخير والمصلحة إلا الله تعالى.

وقضاؤه كله رحمة وحكمة -سبحانه وبحمده- فعلى العبد أن يدعو موقنا بأن الله سيقدر له الخير.

وعليه أن يحسن الظن بربه ويأخذ بأسباب حصول ما يرجوه، وسواء كان ما حصل هو ما دعا به أو غيره، فعليه أن يعلم أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه، فيرضى ويسلم.

وقد بينا معنى حديث: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة. في الفتوى: 387031 وبمراجعتها يزول عنك بإذن الله الإشكال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني