الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفضيل بين الأولاد في العطايا والهبات

السؤال

والدتي متوفاة -رحمة الله عليها-، وبعد إلحاح كبير على والدي تزوج مرة أخرى، بعد 10 سنوات من وفاة والدتي، ورزق منها بولد، وأنا وشقيقي الأصغر عزاب. أما البقية: فمتزوجون -والحمد لله-.
وسؤالي بخصوص والدي الذي يقبض مرتبا محترما من التقاعد، حيث يخصص مقدارا كبيرا منه، ليدخره لأخي غير الشقيق، من زوجته الجديدة، بحجة أنه كبر في السن، ويجب عليه أن يقوم بتوفير حياة رغيدة لولده بعد وفاته -لا قدر الله- حيث لم يقم بهذا العمل معي، أو مع أشقائي بعد وفاة والدتي، حيث كنا قصرا، فهل يعتبر هذا تمييزا؟ وما حكمه شرعا؟ وأنا لا أنكر فضله علينا، وأنا عندي ما يكفيني، والحمد لله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمفتى به عندنا؛ وجوب التسوية بين الأولاد في الهبات، والعطايا، ما لم يكن لبعضهم حاجة تقتضي تفضيله.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: فإن خص بعضهم لمعنى يقتضى تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو ‌زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم، أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، فقد روى عن أحمد ما يدل على جواز ذلك. انتهى.
وراجع الفتوى: 33801، والفتوى: 6242.

أمّا النفقات: فلا تجب التسوية فيها؛ لاختلافها باختلاف حال الأولاد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:.. أن ينفرد أَحَدُهُمَا بِحَاجَةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، مِثْلُ أَنْ يَقْضِيَ عَنْ أَحَدِهِمَا دَيْنًا وَجَبَ عَلَيْهِ، مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، أَوْ يُعْطِيَ عَنْهُ الْمَهْرَ، أَوْ يُعْطِيَهُ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَفِي وُجُوبِ إعْطَاءِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ نَظَرٌ، وَتَجْهِيزُ الْبَنَاتِ بِالنِّحَلِ أَشْبَهُ، وَقَدْ يُلْحَقُ بِهَذَا، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمَعْرُوفِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ النِّحَلِ. انتهى من الفتاوى الكبرى.

وعليه؛ فإن خص أبوك ولده من الزوجة الأخرى؛ بعطية لحاجة تقتضي اختصاصه بها، أو أنفق عليه بالمعروف؛ فلا حرج عليه في ذلك؛ أمّا إذا فضله في العطية لمجرد كبر سنّ الوالد، وصغر سنّ الولد؛ فهذا ليس مسوغا لتفضيله، وتفضيل الوالد له في هذه الحال؛ غير جائز؛ وراجع الفتوى: 201931.

والواجب عليه أن يسوي بين جميع أولاده، إمّا بإعطاء سائر الأولاد مثل ما أعطاه، أو برد ما أعطاه، إن لم يكن مانع من الرد، قال ابن قدامة - رحمه الله: فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها إثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين: إما رد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر. انتهى.

وعلى أية حال؛ فلابد من التنبيه إلى أنّ حقّ الوالد على ولده؛ عظيم، ولا يسقط حقّه على ولده بظلمه له، أو إساءته إليه، وقد عقد البخاري في كتابه: الأدب المفرد، بابًا أسماه: باب بر والديه، وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. انتهى.
فالواجب عليك برّ والدك، والإحسان إليه على كل حال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني