الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأمور التي تقع بها المرأة تحت الوعيد المترتب على عصيان الزوج

السؤال

أنا الابنة الكبرى لزوجين كثيري الخلاف، مما جعلهما يبُثَّان شكواهما إليَّ. ضاق صدري، ولا أعلم ما عليَّ فعله؟ فهما متزوجان منذ سنين عديدة، والخلاف بينهما لا ينتهي، والقصة طويلة.
حاولت أن أتوسط بينهما، فألقيت اللوم على كل طرف، ولكن لم أحصل من ذلك سوى على نظرة الانحياز من كليهما، فسلمت أمري لله، وتمسكت بالدعاء لهما.
أمي طبيبة أطفال، ومنذ زواجها كان أبي وأهله يضغطون عليها كثيرا، ولا تخرج إلا قليلاً حتى أصيبت مؤخرا بحالة نفسية، علما أنها حاولت إرضاء أبي بعدة طرق، ولكنه رفض؛ وذلك لكثرة تحريض أمه عليها.
منذ شهرين تقريبا قدمت أمي للحصول على وظيفة في مشفى قريب من بيتنا، وحصلت عليه. وقد تمسكت برأيها في العمل، لكن أبي غير راض عن ذلك، رغم أنها تخرج بلباس محتشم، ولا توجد كثرة اختلاط في مجال عملها.
علما بأنها لا تخرج إلا بإذنه، حتى إنه هو من يقوم باصطحابها للمشفى، ولا تُدخل أحدا للبيت بغير رضاه، وتحفظه في نفسها وماله.
ومنذ عامين تقريبا، طلب أبي من أمي لبس الخمار.
أعلم أن عدة مشايخ أفتوا بوجوبه، ولكن البعض الآخر أفتى بعدم وجوبه.
وبناء على ذلك ماطلت أمي بأسلوب رقيق لطيف، لا بأسلوب عناد. منذ بضعة أيام رأيت أحاديث عن حقوق الزوج وغيره، مما زاد قلقي.
سؤالي هو: بناء على ما سبق، وعلى كل الأحاديث التي واجهتني -فهي قد تكون آثمة- ولكن هل يشمل أمي حديث: " أشد الناس عذابا، امرأة عصت زوجها " وثلاثة لا تجاوز صلاتهم رؤوسهم: ... امرأة عصت زوجها "؟ أم هي فقط تختص بأمور الفراش؟ فالوعيد فيها شديد جدا.
أرجو ابتداء الإجابة بـ: (نعم / لا) قبل كل شيء، فالأمر يكاد يصيبني بالجنون، وعدة مواقع لم تزد حيرتي إلا حيرة، ولم أجد شرحا لهذين الحديثين عند كبار المشايخ.
فأرجو الحصول على جواب واضح منكم.
وجزاكم الله كل خير.
علما -كما سبق ذكره- أنها لا تخرج إلا بإذنه، ولا تدخل من لا يرضى لبيته، وتحفظه في ماله ونفسه. ولكن بعدم رضاه عنها في تينك النقطتين - وبهذا هي آثمة- لكن هل يشملها الحديثان؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله -تعالى- أن ييسر أمركم، ويفرج كربكم، ويصلح الحال بين والديك.

ونوصيك بالاستمرار في الدعاء، فالرب -سبحانه- قد أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة، فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.

وقلوب العباد بين يديه -سبحانه- يقلبها كيف يشاء، فهو قادر على أن يغير الحال من الشقاق والخصام، إلى المودة والوئام.

ونوصيك أيضا بالاستعانة ببعض الفضلاء من الأقرباء وغيرهم؛ ليعينوك في سبيل الإصلاح، وليبذلوا النصح لجدتك إن كانت تتدخل بين والديك على وجه الإفساد.

والحديثان المذكوران رواهما الترمذي في سننه، وحكم الشيخ الألباني عليهما بالصحة.

وقد تضمن الحديثان الوعيد الشديد لأصناف من الناس، ومنهم المرأة التي تعصي زوجها فيما يجب عليها طاعته فيه.

وقد اختلف العلماء فيما تجب فيه الطاعة، فمنهم من رأى عموم ذلك في كل ما لا معصية لله فيه، ومنهم من خصه بأمور النكاح وتوابعه، وهو ما نفتي به، وانظري للمزيد، الفتوى: 50343.

ولا يحل للمرأة الخروج للعمل دون رضا زوجها، وإلا كانت عاصية، ما لم تكن قد اشترطت عليه قبل الزواج أن تعمل.

فقد دلت السنة على أنه لا يحل للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه. روى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ، مَسَاجِدَ اللهِ.

قال الباجي في المنتقى شرح الموطأ: قَوْلُهُ: لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَن لَا خُرُوجَ لَهُنَّ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ؛ لَخُوطِبَ النِّسَاءُ بِالْخُرُوجِ، وَلَمْ يُخَاطَبْ الرِّجَالُ بِالْمَنْعِ. اهـ.

وهذا من جهة العموم.

وبخصوص الخلاف بين والديك في هذا الأمر، فيبدو أنه بسيط، بدليل ما ذكرت أنه يقوم بإيصالها للعمل، فهذا يشير إلى أنه لا يمانع من ذلك.

وقد ذكرت في سؤالك الخمار، والخمار هو غطاء الرأس، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، وتسدله ليستر النحر والصدر، وجاء فيه قول الله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ {النور:31}.

روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن سعيد بن جبير في هذه الآية، قال: يعني النحر والصدر، ولا يرى منه شيء. اهـ.

وهذا الخمار فرض باتفاق العلماء.

وإن كنت تعنين به النقاب الذي هو غطاء الوجه، ففي حكم تغطية المرأة وجهها بالنقاب أو غيره، خلاف بين العلماء، سبق بيانه في الفتوى: 4470.

وهذه المسألة من مسائل الاجتهاد، والخلاف فيها سائغ.

والذي نرى رجحانه أنه يلزم الزوجة طاعة زوجها في مثل هذه المسائل، ما دامت طاعتها له لا توقعها في أمر تعتقد حرمته، أو تحملها على ترك ما تعتقد وجوبه.

هذا بالنسبة للزوجة.

وأما الزوج، فهل يجب عليه إلزامها بما يراه واجبًا، ومنعها مما يرى حرمته؟

هذا موضع خلاف بين أهل العلم، سبق أن ذكرناه في الفتوى: 130355.

والذي نراه أن يجتهد والدك في محاولة إقناع أمك بالنقاب من غير تعنيف أو عصبية، خاصة وأنك قد ذكرت عنها بعض الصفات الطيبة، فالمرجو منها أن تستجيب.

وننصح أمك بالحرص على ستر وجهها، فهذا أبعد لها عن الفتنة، وفيه خروج من خلاف العلماء، مع ما في ذلك من طاعة الزوج.

وينبغي أن تسلطي عليها في هذا الأمر بعض أهل العلم الناصحين، ممن ترجين أن تستجيب لقولهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني