الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مَنْ يُخرج زكاة المال المأخوذ من صاحبه بغير حق؟

السؤال

ما حكم من تأخذ المال من أخيها بحجة أنها تستأجر منزلا لتسكن فيه، وهي لا تستأجره، بل تأخذ المال، وتكنزه لنفسها، وأبناؤها رجال يعملون، وزوجها يعمل، ولديها منزل واسع ملك لزوجها؟
وإن قلنا لها إن هذا الفعل لا يجوز، قالت إن أخي سيتبرع بالمال على كل حال، لكنها في الحقيقة تعرف أنه سيغضب منها غضبًا شديدًا إن علم أنها لا تحتاج المال. فماذا يجب عليها أن تفعل بهذا المال؟ وهل تجب الزكاة فيه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن تبرع الأخ لأخته هذه في أجرة المنزل خصوصًا، فلا يجوز لها صرفها في غير ذلك إلا بإذنه.

قال النووي في روضة الطالبين: أعطاه درهمًا وقال: ادخل به الحمام، أو دراهم، وقال: اشتر بها لنفسك عمامة، ونحو ذلك، ففي فتاوى القفال: أنه إن قال ذلك على ‌سبيل ‌التبسط ‌المعتاد، ملكه وتصرف فيه كيف شاء، وإن كان غرضه تحصيل ما عيَّنه، لما رأى به من الشعث، والوسخ، أو لعلمه بأنه مكشوف الرأس، لم يجز صرفه إلى غير ما عينه. اهـ.

وانظري الفتوى: 154743.

والأهم من ذلك أن إعطاء الأخ إن كان على ظن فقر أخته وحاجتها، وهي ليست كذلك؛ فلا يجوز لها أخذ عطائه هذا، ولا التصرف فيه، ولا يدخل هذا المال في ملكها، ويجب عليها رده لصاحبه.

قال البرماوي الشافعي: من أعطي على ظن صفة، وهو في الباطن بخلافها، ولو علم لم يعط، لا يملك ما يأخذه، ويجري ذلك في سائر عقود التبرع. اهـ. نقله البجيرمي في حاشيته على شرح المنهج.

وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: حيث حرم الأخذ لم يملك ما أخذه؛ لأن مالكه، لم يرض ببذله له. اهـ.

قال الشبراملسي في حاشيته عليه: لأنه قبضه من غير رضى من صاحبه؛ إذ لم يسمح له إلا عن ظن الفاقة.اهـ.

وقال ابن قاسم العبادي في حاشيته: وقضيته أنه لو أعطى غنيًّا يظنه فقيرًا، ولو علم غناه لم يعطه، لم يملك ما أعطاه... وإن لم يظهر الفاقة يملك، إلا أن يكون المتصدق لو علم الحال لم يعطه. اهـ.

وإذا حكمنا بأن هذا المال لم يدخل في ملك الأخت، وهو لا يزال على ملك الأخ، فليس عليها زكاته، لأنه ليس مالها، وإنما زكاته على مالكه، فالواجب عليها رده إليه.

قال الطبري في تفسيره: ما كان فرضًا إخراجُ جميعِه من المال، وحرامٌ اتخاذه، فزكاته الخروجُ من جميعه إلى أهله، لا رُبع عُشره، وذلك مثلُ المال المغصوب الذي هو حرامٌ ‌على ‌الغاصب إمساكُه، وفرضٌ عليه إخراجه من يده إلى يده، التطهّر منه: ردُّه إلى صاحبه. اهـ.

فإن أرجعته إليه -وكان نصابا بنفسه، أو بغيره من أموال الأخ-؛ زكَّاه مع بقية ماله، وإن طالت المدة لسنين، فالزكاة حينئذ محل خلاف بين أهل العلم: هل يُستقبَل به الحول، وتسقط المدة السابقة، أم يزكى لسنة واحدة؟ أم لما مضى من السنين؟ والراجح هو القول الثاني، والأحوط هو القول الثالث.

وراجع في ذلك الفتويين: 29749، 117467.

وإذا أخرج زكاته لما مضى من السنين، فله أن يرجع على أخته بقيمة الزكاة لمدة الغصب.

قال الحجاوي في الإقناع: تجب الزكاة.. في مغصوب في جميع الحول، أو بعضه، ويرجع المغصوب منه ‌على ‌الغاصب ‌بالزكاة. اهـ.

وقال البهوتي في شرحه كشاف القناع: ويرجع المغصوب منه ‌على ‌الغاصب ‌بالزكاة، أي: زكاة المال المغصوب زمن غصبه، لنقصه، أي: المال بيده، أي: الغاصب، كتلفه، أي: تلف المغصوب بيد الغاصب، فإنه يضمنه، فكذا نقصه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني