الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

منع الوالد ولده من الانتقال إلى وظيفة أخرى

السؤال

أنا شاب عمري: 28 عامًا، متزوج، ولدي طفل -والحمد لله-. وأعمل أنا ووالدي أجيرين، عمال نظافة في معهد تعليمي أجنبي، ووالدي يعمل هناك منذ: 16 سنة، وأنا منذ 9 سنوات. وعددنا 3 عمال، ووالدي هو المسؤول عن توزيع الأعمال في المعهد، وقد مللت من هذا العمل، وأردت أن أغيَّر حياتي، وأن أعمل في عمل أفضل من هذا، وقلت في نفسي لماذا لا أتعلم، وأنا الآن شاب، وأستطيع أن أغير في حياتي؟
وأنا أحب السيارات، وتعلمت شيئا يتعلق بالسيارات، وكان والدي يعلم بذلك، وعندما أنهيت جاءني عرض من أحد المراكز حتى أعمل عندهم بوظيفة كاملة، ومرتب أفضل من مرتبي الحالي، ولكن والدي عارض الفكرة وغضب مني، حاولت إقناعه، وقد قام أحد أقاربي بالتحدث إليه، فوافق في البداية، وقال لي: افعل ما تريد، وقال إنه سيخبر صاحب العمل حتى يبحث عن عامل نظافة جديد ليعمل مكاني، واتفقنا على مدة محددة، وقبل انتهاء المدة بيومين قمت بتذكيره، وفجأة جن جنونه، وقال لي كيف ستتركني بعد كل هذه السنين؟ ومن سيقوم بعملك؟ ليتبين بعد ذلك أنه لم يخبر صاحب العمل لكي يبحث عن عامل جديد ليعمل مكاني، وغضب والدي مما اضطرني أن ألغي فكرة العمل الجديد، وأخبرت صاحب المركز أنني لن آتي للعمل لديه حتى لا يغضب مني والدي، ولكني تضايقت كثيرا من والدي، وأحيانا أشعر أنه أصبح بداخلي بعض مشاعر الكره والبغض لوالدي، وأحيانا أتصرف معه بقسوة بعد هذا التصرف؛ لأنني أعلم أن أغلب الآباء دائما يتمنون الأفضل لأولادهم، ولا أريد أن أغضب رب العالمين، وأغضب والدي، ولا أعلم ماذا أفعل؟ لا أريد أن أبقى طيلة حياتي عامل نظافة، ولا أريد أن أغضب والدي، ولكنني أريد أن أغيَّر عملي، حتى أستطيع أن أعيل أهل بيتي، حتى لا ينقص عليهم شيء.
وللعلم فإنني أعمل حاليًا عشر ساعات في اليوم، وبمرتب قليل، وبصعوبة يكفينا حتى نهاية الشهر، وأدفع نصف راتبي في إيجار المنزل الذي أعيش فيه أنا وزوجتي، وهو أرخص بيت عندنا.
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فليس من حقّ أبيك منعك من العمل الذي فيه مصلحتك، ولا ضرر عليه فيه.

جاء في الفروق للقرافي -رحمه الله-: وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ دَفْعَ حَاجَاتِ نَفْسِهِ، أَوْ أَهْلِهِ، بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ تَأَذَّى بِتَرْكِهِ، كَانَ لَهُ مُخَالَفَتُهُمَا، لِقَوْلِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ ـ وَكَمَا نَمْنَعُهُ مِنْ إذَايَتِهِمَا، نَمْنَعُهُمَا مِنْ إذايَتِهِ. انتهى.

فتفاهم مع أبيك برفق وأدب، وبيِّن له حاجتك للعمل الجديد، وما فيه من المصلحة لك ولأسرتك، وكلِّم قريبك الذي وسطته قبل ذلك، أو غيره ممن له وجاهة عند أبيك، ويقبل قولهم، ليكلموه في ذلك حتى يرضى.

وإذا لم يرض، وأصر على منعك من الانتقال للعمل الجديد؛ فلا حرج عليك -إن شاء الله- في الانتقال للعمل الجديد، مع الاعتذار له، والحرص على برّه، والإحسان إليه، فإنّ حقّ الوالد عظيم، وبرّه من أفضل الطاعات، وأحبها إلى الله.

فعن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.

قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني