الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الزوجة من زوجها المقصر معها ماديًّا ومعنويًّا

السؤال

أنا متزوجة منذ 14 سنة، وقد تساهلت مع زوجي في بداية الزواج في كثير من الأمور المادية، وأقف بجانبه في النواحي المادية، وأساعده براتبي في الإنفاق. ولكن معاملته لم تكن جيدة، وهو مقصر تجاهي عاطفيا وماديا، وفي حقوقي الشرعية، ويتركني معظم الأيام ويذهب للمبيت عند أمه، وأنا متحملة لمسؤولية البيت والأولاد لوحدي، وقد تعبت جدا، فقد أصبحت ظروفه المادية أفضل كثيرا، ولا يقوم ناحيتي بأي واجبات أتحمل مسئولية أطفالي كاملة، ومصاريفهم هو فقط يدفع مصروفات المدرسة، وجزءا من مصروف البيت، وأنا أتحمل باقي النفقات.
في البداية كنت أدفع من غير ضيق، ولكني الآن أشعر أنه يريد التوفير، ويحمل عليَّ الكثير من الأعباء المادية: أكل ولبس، ودروس الأولاد، وأي طلبات لهم، ومصاريفي الشخصية، فهو لا يصرف عليَّ نهائيا.
ومع كل هذا فهو دائم الشكوى مني، ولم يذكرني بخير، ودائم التهديد بالطلاق، أو الزواج بأخرى. وقد طلقني مرة.
فبعد عودتنا لم أعد أطيقه، ولا أستطيع التعامل معه، وأصبحت أشعر أني مستنزفة ماديا ومعنويا، ولا أريد أن أصرف أموالي كالسابق، وغير قادرة على خدمته، أو معاملته بود، فقد أصبحت معاملتي له سيئة. كل هذا بسبب معاملته السيئة لي، وتكراره أنه لا يريدني وغير متمسك بي. وأنه فقط يعيش معي من أجل أولاده، وهو أصلا مقصر في حقوقهم، ويرفض الطلاق.
هل سيحاسبني الله على معاملتي السيئة له؟ أنا لا أطيقه، وأفكر في أن أرفع قضية خلع، وغير قادرة على التعامل معه، ولكني أخشى على نفسية أولادي من الطلاق.
ماذا أفعل؟
أخشى عقاب ربنا، وفي نفس الوقت لا أقدر على نفسي، ولا أستطيع أن أجبر نفسي على خدمته، أو معاملته معاملة جيدة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كانت هذه حال زوجك في تعامله معك؛ فهو مسيء للعشرة، ومفرط في الحقوق، وهو بذلك مخالف لما جاء في القرآن والسنة من الأمر بحسن الزوجة، كما في قول المولى -تبارك وتعالى-: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}.

وثبت في سنن الترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. وحقًّا كان -عليه الصلاة والسلام- خير الأزواج لزوجاته، وللمؤمن أسوة حسنة فيه.

وللمزيد، يمكن مطالعة الفتوى: 99541.

وقد أحسنت بصبرك عليه، وعدم المبادرة إلى طلب الطلاق أو الخلع؛ إذ الغالب أن يكون في ذلك ضرر عظيم على الأولاد، فإنهم يتأثرون بالفراق بين الوالدين.

فنوصيك بكثرة الدعاء لزوجك، وسؤال الله -عز وجل- أن يصلح حاله، ويلهمه الرشد والصواب، وابذلي له النصح برفق ولين. واستعيني عليه ببعض أهل الرأي والفضل ممن ترجين أن يسمع لقولهم، ويستجيب لهم.

ومعاملتك السيئة له إن كان المقصود بها معاملته بالمثل، فإن هذا مما أجازه بعض العلماء، مستدلين بقول الله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة:194}.

وإلى هذا أشار ابن مايابى في منظومته، حيث قال:

ولا إساءة إذا الزوج ابتدا بمثلها؛ لقوله من اعتدى

ولكن نرى أن من الحكمة عدم استعمال مثل هذا الأسلوب مع الزوج؛ لأن فيه صب الزيت على النار، وتعقيدا للمشكلة، وسبق أن أرشدنا إلى السعي في سبيل الحل، ومعالجة الأمر.

وننبه في الختام إلى أمرين:

الأول: أن نفقة الزوجة وأولادها واجبة على الزوج، ولا يجب عليها أن تنفق على نفسها، ولا على أولادها، ولو كانت غنية.

وقد نقل ابن القيم في زاد المعاد قول أهل العلم: ونفقة الزوجة تجب مع استغنائها بمالها.... انتهى.

الثاني: يجب على الزوج أن يؤدي حق زوجته في المبيت عندها، فإن قام بذلك، فلا حرج عليه أن يبيت أحيانا عند أهله، بشرط أن يترك زوجته وأولاده في حال أمان، ولا يلزم الزوج أن يبيت مع زوجته كل ليلة.

وانظري للمزيد، الفتوى: 120153.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني