الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يجب على الزوجة طاعة زوجها فيما تراه محرَّمًا

السؤال

تقول السائلة: اختلفت أنا وزوجي في مسألة، وهي: أمر الرجل زوجته بكبيرة من وجهة نظرها؛ فامتنعت بإذنه، مع أن الامتناع من وجهة نظره يؤدي إلى كبيرة أخرى. وبعد ذلك قال الزوج: حتى وإن كانت هذه هي المسألة، فيجب عليك أن تطيعيني، وبعد طاعتك تبحثين هل هي فعلا كبيرة أو لا؟
وهذا هو الجزء الأول من السؤال: هل كلام الزوج صحيح، ويجب على الزوجة طاعته في هذه الحالة؟
ملاحظة: الزوجان مستواهما في العلم الشرعي متقارب، ففي بعض المسائل تصيب الزوجة، وفي البعض الآخر يصيب الزوج؛ لأنهما لا يزالان يطلبان العلم، ولا يوجد طرف ملم بجميع المسائل.
وتوضيح المسألة المختلف فيها بينهما كالآتي: استيقظ الزوجان، وكلاهما جنب، ولم يبق على الشروق إلا وقت قليل، وكان الماء باردا جدا، ووسائل تسخينه كانت منقطعة في ذلك اليوم؛ فلم يتحملا الغسل بالماء البارد. فنوى الزوج الطهارة، وحاول أن يأخذ من الماء بيده ليغمر جسده، لكن لم يستطع أن يبلل جسده بالكامل بسبب البرد، ثم صلى. وقال للزوجة: يكفيك أن تتوضئي -لعلمه أن صحابيا صلى بالناس وهو جنب لشدة برودة الماء، ولم يعتب عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم-. فامتنعت الزوجة؛ لعلمها أن من صلى وهو جنب بوضوء فقط مع إمكانية الغسل متعمدا، فقد فعل كبيرة. واستأذنته أن تذهب لبيت أهلها -والمسافة لا تستغرق أكثر من 4 دقائق- وتغتسل عندهم؛ فوافق، ولكن في هذه اللحظة كان قد بقي على الشروق 11 دقيقة. وأثناء استعداد الزوجة للذهاب، ظل الزوج يتحدث عن أنها كان يمكنها أن تتوضأ وتصلي؛ لأنها هكذا يستحيل أن تصلي في الموعد -وخروج الصلاة عن وقتها هي الكبيرة التي يقصدها-، وأنه يظن أن الأفضل أن تتوضأ وتصلي، ثم تذهب لأهلها لتغتسل وتعيد الصلاة، لكن كانت هذه الكلمات والزوجة عند الباب، فقال لها: حسنا، اذهبي. وصلَت الزوجة، وصلَّت في الموعد.
الجزء الثاني من السؤال هو: هل أخطأت الزوجة؟ وهل فعلا من شدة أهمية الصلاة في الوقت تسقط الطهارة الكاملة في بعض الأحيان؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يجب على الزوجة طاعة زوجها فيما تراه محرَّمًا، وليس من حق الزوج أن يلزم زوجته بقول من أقوال أهل العلم إذا اختلف مذهبهما. وراجعي الفتوى: 213796.

ومن استيقظ جُنُبًا في آخر وقت الصلاة؛ فالواجب عليه أن يغتسل. وإذا كان الماء باردًا يخشى الضرر باستعماله، وعجز عن تسخينه؛ تيممّ وصلى، ولا يكفيه الوضوء.

وإن قدر على تسخينه؛ سخنه، واغتسل -وإن خرج وقت الصلاة-، وهذا قول أكثر أهل العلم.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وإن خاف من شدة البرد، وأمكنه أن يسخن الماء، أو يستعمله على وجه يأمن الضرر، مثل أن يغسل عضوا عضوا، وكلما غسل شيئا ستره، لزمه ذلك. وإن لم يقدر، تيمم وصلى. انتهى.

وقال -رحمه الله-: وإذا كان الماء موجودا إلا أنه إذا اشتغل بتحصيله واستعماله فات الوقت، لم يبح له التيمم، سواء كان حاضرا أو مسافرا، في قول أكثر أهل العلم منهم: الشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر، وأصحاب الرأي. انتهى.

وجاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية -رحمه الله-: وإذا استيقظ آخر وقت الفجر، فإذا اغتسل طلعت الشمس، فجمهور العلماء هنا يقولون: يغتسل ويصلي بعد طلوع الشمس. وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وأحد القولين في مذهب مالك. وقال في القول الآخر: بل يتيمم أيضا هنا ويصلي قبل طلوع الشمس، كما تقدم في تلك المسائل؛ لأن الصلاة في الوقت بالتيمم خير من الصلاة بعده بالغسل.

والصحيح قول الجمهور؛ لأن الوقت في حق النائم هو من حين يستيقظ. انتهى.

وعليه؛ فالزوجة أصابت في حرصها على الاغتسال قبل الصلاة، وعدم قبولها الاكتفاء بالوضوء أو التيمم.

أمّا من عجز عن الاغتسال لعدم وجود الماء، أو خوف الضرر باستعماله؛ فعليه أن يتيمم ويصلي في الوقت، ولا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها.

وراجع الفتوى: 361405.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني