الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إمامة العازم على التوبة والبعد عن الفاحشة والمعاصي

السؤال

أنا شاب أبلغ من العمر: 19 عاماً، وقعت في الزنا، ثم ندمت، واجتهدت أن أتمسك بتوبتي، ولكنني لا أزال غير ثابت، فتارة أقع في العادة السرية، وتارة أقع في مقدمات الزنا، ووالله إنني لفي ضيق شديدة، لا أعرف ماذا أصنع؟ فقد أصلي بالناس في مسجد الحي، وعندها أشعر بأنني منافق خالص بما أفعل من ذنوب في الخلوات، فهل أترك هذه الإمامة؟ وهل أنا بذلك وقعت في النفاق؟ وكيف أتصرف؟ وهل من يستمع إلى المعازف ويشاهد المسلسلات يعتبر من عصاة المؤمنين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنا نهنئك باستشعارك لخطورة الأمر وندمك عليه، وخوفك من النفاق، فإنه ما خاف النفاق إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق؛ كما قال الحسن البصري، وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه. رواه البخاري.
واعلم أن الندم على المعصية والشعور بخطرها من أهم أسباب التوبة، ففي الحديث: الندم توبة. رواه ابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، والألباني.
فاحرص على الندم على خطيئتك، واعزم على ألا تعود إلى شيء من المعاصي، واستغفر الله تعالى، وأكثر من الأعمال الصالحة، فإن الحسنات يذهبن السيئات، كما في الآية: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}.

وإذا استهواك الشيطان وعاودت المعصية، فعاود التوبة بصدق، وثق بأن الله تعالى سيغفر لك كلما عاودت التوبة بصدق وإخلاص، ففي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ.

ومما يعينك على الثبات على التوبة، والاستمرار فيها، وعدم الرجوع للذنب: استحضار قبح المعصية، وعظيم خطرها، وكبير ضررها، واستحضار عقوبتها، وأن من عقوباتها الختم على القلب، والطبع عليه، وإلف المعصية واستحسانها، فقد يحال بسبب المعصية وتكرارها بينك وبين إرادة التوبة -والعياذ بالله- وننصحك بقراءة كتاب: الداء والدواء لابن القيم -رحمه الله- ففيه نفع عظيم فيما يتعلق ببيان عقوبات المعاصي وآثارها.

أما ما ذكرت من المعاصي في الخلوة: فهذه من نزغات الشيطان وفعل النفس الأمارة بالسوء، فبادر بالتوبة والاستغفار، ولا تيأس من روح الله، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وقد وصف الله المتقين فقال: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135}.

وأما إمامتك للناس إذا قدموك لها: فلا حرج فيها ما دمت عازما على التوبة والبعد عن المعاصي، بل يرجى أن يكون ذلك مما يحملك على مواصلة طريق التوبة والاستقامة، وقد قدمنا بعض النصائح المعينة على الإقلاع عن الفاحشة والعادة السرية في الفتويين: 72497، 156719.

وأما سماع المعازف: فهوم محرم على الراجح، ومعصية من المعاصي التي يجب على المؤمن الكف عنها، والتوبة إلى الله منها إن وقع فيها، وأما المسلسلات: فالحكم عليها ينبني على مضمونها، وما تشتمل عليه، والغالب اشتمالها على ما لا يحل النظر إليه أو سماعه، واجتناب النظر إليها مطلقا أحوط للمرء في دينه، وما اشتمل منها على محرم يجب اجتنابه، وللفائدة انظر الفتويين: 54316، 1791.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني