الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من نذر ألا ينتفع بأرض اشتريت بقرض ربوي، ثم تبين له جواز انتفاعه بها

السؤال

والدي اشترى أرضا، وجزء من ثمنها كان من قرض ربوي، وكتبها باسمي، وكنت أظن حرمة الانتفاع بها، ونذرت إن جاء من بيعها ثمن فإنني لن أنتفع به، ثم علمت بعد ذلك أن الانتفاع بها ليس بمحرم، فهل يجب علي الوفاء بالنذر، وإخراج كل ثمنها، مع العلم أنني لم أشترك في ثمن شرائها؟ وهل فعلا الانتفاع بثمنها حلال، أو حرام؟ وكيف نتوب من ذنب الاقتراض بالربا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فتخصيص اليمين بسببه الحامل عليه محل اجتهاد وخلاف بين أهل العلم، ثم إلحاق النذر باليمين في ذلك محل خلاف آخر! فمن خصص اليمين بالسبب الحامل عليه، وألحق النذر باليمين في ذلك لم يوجب الوفاء بالنذر إذا تخلف سببه، ومن لم يخصص اليمين بسببه، أو خصصه ولكنه لم يلحق النذر به، أوجب الوفاء بالنذر مطلقا باعتبار لفظه، بغض النظر عن سببه.

قال ابن قدامة في المغني: روي عن أحمد ما يدل على أن يمينه تختص بما وجد فيه السبب، وذكره الخرقي، فقال: فإن لم يكن له نية، رجع إلى سبب اليمين وما هيجها، فظاهر هذا أن يمينه مقصورة على محل السبب، وهذا قول أصحاب أبي حنيفة، وروي عن أحمد ما يدل على أن يمينه تحمل على العموم؛ فإنه قال فيمن قال: لله عليَّ ألا أصيد في هذا ‌النهر، ‌لظلم ‌رآه، فتغير حاله، فقال: النذر يوفى به، وذلك لأن اللفظ دليل الحكم، فيجب الاعتبار به في الخصوص والعموم، كما في لفظ الشارع، ووجه الأول أن السبب الخاص يدل على قصد الخصوص، ويقوم مقام النية عند عدمها؛ لدلالته عليها، فوجب أن يختص به اللفظ العام كالنية، وفارق لفظ الشارع؛ فإنه يريد بيان الأحكام، فلا يختص بمحل السبب، لكون الحاجة داعية إلى معرفة الحكم في غير محل السبب. اهـ.

ونقل ابن القيم في إعلام الموقعين: عن الإمام أحمد أنه سُئل عن: رجل حلف أن لا يدخل بلدًا لظلمٍ رآه فيه، فزال الظلم، قال أحمد: ‌النذر ‌يُوفي ‌به، يعني لا يدخله.

ثم نقل عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: إنما منعه أحمد من دخول البلد بعد زوال الظلم؛ لأنه نذر لله ألا يدخلها، وأكد نذره باليمين، والنذر قربة، فقد نذر التقرب إلى الله بهجران ذلك البلد؛ فلزمه الوفاء بما نذره، هذا هو الذي فهمه الإمام أحمد، وأجاب به السائل، حيث قال: النذر يوفى به؛ ولهذا منع النبي -صلى الله عليه وسلم- المهاجرين من الإقامة بمكة بعد قضاء نسكهم فوق ثلاثة أيام؛ لأنهم تركوا ديارهم لله تعالى، فلم يكن لهم العود فيها وإن زال السبب الذي تركوها لأجله، وذلك نظير مسألة ترك البلد للظلم والفواحش التي فيه إذا نذره الناذر؛ فهذا سر جوابه، وإلا فمذهبه الذي عليه نصوصه وأصوله: اعتبار النية والسبب في اليمين، وحمل كلام الحالف على ذلك. اهـ.

ونقل ابن رجب تحت قاعدة: هل يخص اللفظ العام بسببه الخاص إذا كان السبب هو المقتضي له ـ من كتاب القواعد، اختاره شيخ الإسلام، وتفريقه بين تخصيص اليمين وبين مسألة النهر المنصوصة: بأن نص أحمد إنما هو في النذر، والناذر إذا قصد التقرب بنذره؛ لزمه الوفاء مطلقا، كما منع المهاجرون من العود إلى ديارهم التي تركوها لله وإن زال المعنى الذي تركوها لأجله؛ فإن ترك شيء لله يمنع العود فيه مطلقا، وإن كان لسبب قد يتغير، ولهذا نهي المتصدق أن يشتري صدقته.
ثم قال ابن رجب: وهذا حسن. اهـ.
وبناء على هذا التفريق، فإنه يجب على السائل أن يفي بنذره - حتى ولو تبين له خطأ اعتقاده حرمة الانتفاع بما اشتري بقرض ربوي – ويحرم عليه حينئذ الانتفاع بثمن هذه الأرض.
وأما كيفية التوبة من ذنب الاقتراض الربوي: فهي كالتوبة من سائر الذنوب، تكون بالندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه، والإقلاع عنه في الحال إن أمكن فسخه، ورَدُّ رأس المال دون الزيادة الربوية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني