الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترهيب من الإساءة القبيحة للوالدين وابتزازهما وتهديدهما

السؤال

ما هو حكم من يهدد والديه بالرحيل عن المنزل، وهو بالغ عاقل راشد، والتهديد يكون لإسكاتهما؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من العقوق الإساءة البالغة للوالدين ابتزازهما وتهديدهما بأي أمر -وإن كان مباحا للابن فعله- فالتهديد ينافي التوقير، والإجلال، والقول الكريم المأمور به تجاه الوالدين، كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء: 23}.

وحتى في باب النصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإن للوالدين خصوصية، فلا يعنفان، ولا يغلظ لهما القول، جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل في أمر الوالدين بالمعروف، ونهيهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه، يعلمه بغير عنف، ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي .اهـ.

وقد ذكر العلماء صورا شتى للعقوق -ومنها ما هو أخف شأنا من التهديد والابتزاز- جاء في بر الوالدين لابن الجوزي: ‌‌كيفية العقوق: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: إبكاء الوالدين من العقوق- وعن عمر بن الزبير، قال: ما بر أبويه من أحدَّ النظر إليهما ـ وعن محمد بن سيرين، قال: من مشى بين يدي أبيه فقد عقه، إلا أن يمشي يميط الأذى عن طريقه، ومن دعا أباه باسمه فقد عقه، إلا أن يقول: يا أبت ـ وعن مجاهد، قال: لا ينبغي للولد أن يدفع يد والده إذا ضربه، ومن شد النظر إلى والديه لم يبرهما، ومن أدخل عليهما ما يحزنهما فقد عقهما ـ وقال الحسن البصري: منتهى القطيعة أن يجالس الرجل أباه عند السلطان ـ وقال فرقد: قرأت في بعض الكتب: ما بر ولد حر بصره إلى والديه، وأن النظر إليهما عبادة، ولا ينبغي للولد أن يمشي بين يدي والده، ولا يتكلم إذا شهد، ولا يمشي عن يمينهما، ولا عن يسارهما، إلا أن يدعواه فيجيبهما، أو يأمراه فيطيعهما، ولكن يمشي خلفهما كالعبد الذليل ـ وقال يزيد بن أبي حبيب: إيجاب الحجة على الوالدين عقوق ـ يعني الانتصار عليهما في الكلام، وسئل كعب الأحبار، عن العقوق، فقال: إذا أمرك والداك بشيء فلم تطعهما فقد عققتهما العقوق كله. اهـ.

فالخلاصة: أن انفراد الابن عن والديه وإن كان جائزا حيث لا مضرة فيه على والديه، كما سبق في الفتوى: 165457، إلا أنه لا يجوز له تهديد والديه وابتزازهما بذلك من أجل إسكاتهما، أو لغير ذلك من الأسباب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني