الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم راتب من يعمل في بيع الأدوية، في مستشفى يزيد أسعارها

السؤال

أعمل في مستشفى خاص، وفي هذا المستشفى يبيعون الدواء للمرضى بسعر أغلى من الخارج، وسعر الدواء مبين وموضح من وزارة الصحة، لكنهم يستغلون جهل الناس.
ويتم توجيه المرضى للصيدلية من أجل شراء الدواء، وتخويف الناس من الدواء الذي يباع خارج المستشفى، علماً أنني أنا من أقوم ببيع الدواء، وذلك رغماً عني. فهل راتبي حلال؟ وهل عليَّ إثم إن أخبرت الناس بأن الدواء في الخارج قليل الوجود، ولذلك فسعره في المستشفى مرتفع؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرنا في بعض الفتاوى السابقة خلاف العلماء في حكم التسعير، وذكرنا متى يحل ومتى يحرم. وبيَّنا أن جمهور الفقهاء يمنعون من التسعير مطلقًا، لكن إذا كانت مصلحة الناس في التسعير فهو جائز، ولا سيما عند شيوع الفساد، ورقة الديانة عند كثير من التجار.

قال ابن العربي -رحمه الله- في عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: والحق جواز التسعير وضبط الأمر على قانون لا تكون فيه ‌مظلمة ‌على ‌أحد ‌من ‌الطائفتين، وما قاله المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حق، وما فعله حكم، لكن على قومٍ صحّت نيتهم وديانتهم، أما قوم قصدوا أكل مال الناس والتضييق عليهم، فباب الله أوسع وحكمه أمضى. انتهى.

وراجعي الفتوى: 55028.

وبغض النظر عن قيام المستشفى بزيادة أسعار الدواء؛ فإنّ ما تقومين به من تخويف الناس وتوجيههم للشراء منهم؛ فهو غش وخداع محرم.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: وَهَذَا نَصٌّ فِي تَحْرِيمِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخِلَابَةِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ -وَالْخِلَابَةُ: الْخَدِيعَةُ. اهـ.

وقال: وَيَحْرُمُ تَغْرِيرُ مُشْتَرٍ. اهـ.

وأمّا حكم راتبك مقابل العمل في بيع الأدوية؛ فهو حلال.

وإذا كنت لا تشاركين في الغش والخداع، وكنت تقومين بواجب النصيحة للناس؛ فلا وزر عليك -إن شاء الله- وراجعي الفتوى: 57245.

وكونك تذكرين للمرضى أن الدواء قليل الوجود في الصيدليات الأخرى، ولذلك زاد سعره؛ فإن كان هذا مطابقا للواقع؛ فهو جائز.

وأمّا إن كان هذا غير مطابق للواقع؛ فهو كذب وغش محرم، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «...من غشّ فليس مني». وفي صحيح ابن حبان: «من غشنا فليس منا، والمكر، والخداع في النار».

بل الواجب عليك الصدق مع الناس، والنصح لهم حتى لا يقعوا في الخديعة.

ففي صحيح مسلم عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم".

وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. والنصح لكل مسلم.

قال الكرماني في «الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري»: النصيحة كلمة جامعة، معناها: حيازة الحظ للمنصوح له، وهو إرادة صلاح حاله، وتخليصه من الخلل، ‌وتصفيته ‌من ‌الغش. اهـ. وراجعي الفتوى: 470698

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني