الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إبلاغ صاحب العمل بأخذ أحد الموظفين قبل وفاته مالا بغير حق

السؤال

أعمل محاسبا في شركة كانت دون محاسب، وكان بها مشرف على العمال يصرف لهم رواتبهم، وعندما باشرت عملي هو من أبلغني كم راتب كل عامل، وبناء عليه أعددت كشوف الرواتب، وبعد أشهر توفي هذا المشرف، فجاءني العمال، وأعطوني أموالا كان يأخذها من راتبهم بعد صرفها، بحجة أنها مصاريف، واكتشفت أنه كان يستحلها لنفسه، دون علم صاحب العمل -أي أنه كان يتعمد إضافة مبالغ زيادة على كل راتب- ثم يأخذها من العمال عندما يتسلمون رواتبهم، وهذه سرقة.
والآن أنا أعمل على فحص كامل الرواتب، ومطابقتها بعقود العمل، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، فهل يجب علي أن أستر عليه، خصوصا أنه قد توفي، وأخاف من صاحب العمل عند علمه بذلك أن يقطع سبل الخير التي يمد بها زوجته وبناته؟ أم يجب علي أن أبلغ صاحب العمل بما تمت سرقته من ماله؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلو كان هذا المشرف حيًّا، وثبت عندك أنه اختلس مال صاحب العمل دون علمه، ولم يكن هناك طريق لرجوع هذا المال لصاحبه، إلا بإعلامه بذلك، لوجب عليك ذلك؛ نصرة للظالم، والمظلوم معا.

قال ابن حزم في المحلى: لم يقل أحد من أهل الإسلام بإباحة الستر على مسلم في ظلْم ظَلَم به مسلما، كمن أخذ مال مسلم بحرابة، واطلع عليه إنسان، أو غصبه امرأته، أو سرق حرا، وما أشبهه، فهذا فرض على كل مسلم أن يقوم به، حتى يرد الظلامات إلى أهلها. اهـ.

وقال الخادمي في طريقة محمدية: فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ضَرَرٌ لأِحَدٍ -مَالِيٌّ، أو بَدَنِيٌّ- أَو حُكْمٌ شَرْعِيٌّ- كَالْقِصَاصِ، وَالتَّضْمِينِ - فَعَلَيْكَ الإْعْلاَمُ إِنْ جَهِل، وَالشَّهَادَةُ إِنْ طَلَبَ، وَإِلاَّ فَالْكَتْمُ. اهـ.

وقال في شرحه بريقة محمودية: وإن كان المكتوم حَقَّ العبد، فإن ‌تعلق ‌به ‌ضرر ‌لأحد، أو حكم شرعي كالقصاص، والتضمين، لنفس، أو مال، فعليك يجب إن تَعَيَّنَتْ الإعلام إن جهل، إلا إذا تيقن الشاهد الضرر بشهادته، والشهادة إن طلب ذو الحق ‌الشهادة منك، وإلا -أي وإن لم يتعلق به ضرر مالي، أو بدني لأحد، أو حكم شرعي، أو لم يكن جاهلا، ولا طالبا- فالكتم لازم. اهـ.

وأما بعد موت المشرف: فبقاء هذا الحكم، وهتك ستر الميت بإبلاغ صاحب الحق بحقه، متعلق ببقاء مصلحة رد الحق لصاحبه، فإن كان في إبلاغه سبيل لأخذ حقه من تركة المشرف مثلا، بقي الحكم كما هو؛ تغليبا لحق صاحب الحق، كما أوجبوا الشهادة في المال المسروق تقديما لحق المسروق منه.

قال القدوري في مختصره: الشهادة في الحدود يخير فيها الشاهد بين الستر، والإظهار، والستر أفضل، إلا أنه يجب أن ‌يشهد ‌بالمال ‌في ‌السرقة، فيقول: أخذ، ولا يقول: سرق. اهـ.

وقال الحداد في شرحه الجوهرة النيرة: قوله: إلا أنه يجب أن ‌يشهد ‌بالمال ‌في ‌السرقة، لأن المال حق الآدمي، فلا يسعه كتمانه، قوله: فيقول: أخذ، ولا يقول: سرق، لأن قوله: أخذ، يوجب الضمان، وقوله: سرق، يوجب القطع، وقد ندب إلى الستر فيما يوجب القطع، وتجب عليه الشهادة فيما يوجب الضمان؛ ولأن في قوله: أخذ، إحياء لحق المسروق منه، ألا ترى أنه لو قال: سرق، وجب القطع، والضمان لا يجامع القطع، فلا يحصل في قوله: سرق، إحياء حقه. اهـ.

وأما إذا لم يكن في إبلاغ صاحب العمل سبيل لاسترداد حقه، فيبقى الستر كما هو على أصل الوجوب، اللهم إلا إن كان السائل يعلم، أو يغلب على ظنه أن صاحب العمل يعفو عن المشرف، ويتنازل عن حقه، فيستفيد المشرف بعفو صاحب العمل، وتبرأ ذمته بعد وفاته، وانظر للفائدة الفتوى: 167735.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني