الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم دعاء الزوجة على زوجها بغير قصد

السؤال

أنا شاب عمري: 31 سنة، متزوج.... وعندي بنت -والحمد لله- أحافظ على الصلوات في وقتها دائما، وأحاول أن أتقرب إلى الله بالطاعات، وأن أتقي الله -قدر المستطاع- وأسأل الله أن يثبتنا جميعا على الأعمال الصالحة.. وزوجتي أحبها، وتحبني -والحمد لله- ولكنها تؤذيني بلسانها، في كل مرة نتخاصم تقوم بالدعاء دعاء يهتز منه الجبل لو سمعه، وهذا كله على أشياء -أقل ما يقال عنها إنها- بسيطة، ولا تستحق، حيث تقول لي: حسبي الله ونعم الوكيل فيك، أسأل الله أن يأخذ لي حقي منك يوم القيامة، والله لن أسامحك أبدا، أنا خصمك أمام الله يوم القيامة، تدعو علي بأشياء مما ذكرت وغيره من دعاء الشر، والله دعاء يزلزل قلبي، ويجعلني خائفا، وأنا أحاول أن أتقي الله ما استطعت، راغبا فيما عند الله من نعيم في الآخرة، ولكنني عندما أسمع زوجتي تدعو علي بالشر أخاف أن يتقبل الله منها، وأخسر آخرتي بدعائها علي، وذات مرة أكرمنا الله بعمرة، ودعت علي في مكة في الفندق عندما تخاصمنا على شيء بسيط، أنا خائف أن يتقبل الله دعاءها، أو يوافق دعاؤها ساعة استجابة فيتقبل الله منها، بالرغم من أنني لم أقصر في حقها، وأؤدي جميع حقوقي، وأقابل إساءتها بالإحسان، وأحسن إلى عائلتها، وأتجاوز عنها لله، حتى فكرت في الطلاق على هذا الشيء بالذات.. قلت لها: هل تقصدين ما تقولينه من دعاء علي؟ فقالت ليس من قلبي ما أقول، وإنما لأنني غاضبة يخرج مني هذا الكلام، فقلت لها إن عليها أن تكف عن هذه العادة السيئة، لما فيها من ضرر علي لا يعلمه إلا الله، ولكن شيئا لم يتغير، فهل إذا لم أظلمها، ولم أقصر في حقها، وهي تدعو علي بهذا، وأنا لم أقصر في حقها يمكن أن يتقبل الله دعاءها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهنيئا لك بما أعطاك الله من القيام بالطاعات، وأما عن زوجتك: فنوصيك بالرفق بها، وأداء حقها، والبعد عن ظلمها، فإن الله سبحانه قد أوصى بالنساء على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: واستوصوا بالنساء خيراً . رواه البخاري من حديث أبي هريرة.

وقال صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة. رواه أحمد، وابن ماجه من حديث أبي هريرة، وحسنه الألباني.

وفي رواية رواها الحاكم، وصححها، ووافقه الذهبي: إني أحرج عليكم حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة.

ونبشرك بأن من دعا على غيره وهو لا يقصد حصول ما دعا به لا تستجاب دعوته، ومثله من دعا على غيره بدون حق، فقد ثبت في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم.

وفي الترمذي عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذاً نكثر، قال: الله أكثر. والحديث صححه الألباني.

وقال تعالى: وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا {الإسراء:11}.

وقال: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ {يونس:11}.

قال ابن كثير: يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حلمه، ولطفه بعباده أنه لا يستجيب لهم إِذَا دَعَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، أَوْ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ أَوْلَادِهِمْ فِي حَالِ ضَجَرِهِمْ وَغَضَبِهِمْ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ منهم عدم القصد بالشر إِلَى إِرَادَةِ ذَلِكَ؛ فَلِهَذَا لَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ -وَالْحَالَةُ هَذِهِ- لُطْفًا وَرَحْمَةً، كَمَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ إذا دعوا لأنفسهم، أو لأموالهم، أو لأولادهم بِالْخَيْرِ، وَالْبَرَكَةِ، وَالنَّمَاءِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ - الآية، أي: لو استجاب لهم كلما دَعَوْهُ بِهِ فِي ذَلِكَ، لَأَهْلَكَهُمْ، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي الْإِكْثَارُ مِنْ ذَلِكَ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني