الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب على من أخذ الزكاة أن يردها بعدما صار غنيا؟

السؤال

كنت أدرس في الخارج على نفقتي الخاصة، مع بعض المساعدات المقدمة من الدولة التي أدرس فيها، بحيث تعطيني الدولة التي أقيم فيها مبلغا معينا يعينني على الاحتياجات الضرورية كالسكن والأكل. مع العلم أنه في الأشهر الأخيرة من الدراسة، لم يعد لدي إلا المساعدات التي تقدمها لي الدولة التي أقيم فيها. بعد إنهاء دراستي بدأت في البحث عن عمل، وخلال هذه الفترة كان هناك شخص من أقاربي يخرج زكاة ماله، فأعطاها لي. فلم أستخدمها؛ لأني كنت أحاول أن أقتصد بقدر الإمكان من المال الذي تعطيه لي الدولة التي أكملت دراستي فيها، واستمرت في إعطائي مبلغا يعينني في الاحتياجات الأساسية.
بعد فترة 4 أشهر تقريبا، وبفضل من الله حصلت على وظيفة، وأصبح لدي راتب، والحمد لله.
سؤالي هو: ما حكم الشرع في المال الذي تصدق علي به أحد أقربائي، مع العلم أنني لم تدعني الحاجة إلى استخدامه فما زلت محتفظا به حتى الآن؛ لأني كنت أقتصد قدر الإمكان من المبلغ الذي تعطيه لي الدولة التي أقيم فيها كمساعدة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كنت مستحقا للزكاة بوصف الفقر، أو بوصف المسكنة عندما أعطاك قريبك تلك الزكاة فقد ملكتها. ولا يلزمك رد ما بقي منها لديك، فالفقير والمسكين يملكان الزكاة بقبضها، ولا يلزمهما ردها إن حصل لهما غنى بعد القبض.

جاء في الشرح الكبير على المقنع: ‌أصْنافُ ‌الزَّكاةِ ‌قسمان:

قسمٌ يَأْخُذُونَ أخْذا مُستَقِرًّا، فلا يُراعَى حَالُهم بعدَ الدَّفْع، وهم: الفُقراءُ، والمَساكِينُ، والعامِلُون، والمُؤَلَّفَةُ. فمتى أخَذُوها مَلَكُوها مِلْكًا مُسْتَقِرًّا، لا يَجبُ عليهم رَدُّها بِحَالٍ.

وقِسْمٌ يَأْخُذُون أخْذًا مُراعًى، وهم أَرْبَعَةٌ: المُكاتَبُون، والغارِمُون، والغُزَاةُ، وابنُ السَّبِيلِ. فإن صَرَفُوه في الجِهَةِ التي اسْتَحَقُّوا الأخْذَ لأجْلِها، وإلَّا اسْتُرْجِعَ منهم.

والفَرْقُ بينَ هذا القِسْمِ والذي قَبْلَه، أنَّ هؤلاء أخَذُوا لمَعْنًى لم يَحْصُلْ بأخْذِهم للزكاةِ.

والقِسم الأوَّلُ حَصَل المَقْصُودُ بأخْذِهم، وهو غِنَى الفُقراءِ والمَساكِينِ، وتَألِيفُ المُؤَلَّفِين، وأداءُ أجْرِ العامِلِين.

وإن قَضَى المذْكُورُون في القِسْمِ الثَّانِي حاجَتَهم، وفَضَل معهم فَضْلٌ رَدُّوا الفَضْلَ؛ لأنَّهم أخَذُوه لِلحاجَةِ، وقد زَالَتْ. اهـ.

وإن لم تكن مستحقا للزكاة فإنك لا تستحق ما أخذته ولا تملكه، ويتعين عليك رده كله وليس ما فضل فحسب.

قال صاحب مطالب أولي النهى -من كتب الحنابلة-: وَحَيْثُ دُفِعَتْ الزَّكَاةُ لِغَيْرِ مُسْتَحَقِّهَا؛ لِجَهْلِ دَافِعٍ بِهِ. وَجَبَ عَلَى آخِذِهَا رَدُّهَا لَهُ بِنَمَائِهَا مُطْلَقًا مُتَّصِلًا كَانَ كَالسِّمَنِ، أَوْ مُنْفَصِلًا كَالْوَلَدِ، لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ. وَإِنْ تَلِفَتْ الزَّكَاةُ بِيَدِ قَابِضِهَا مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، فَمِنْ ضَمَانِهِ فَيَغْرَمُ مِثْلَ مِثْلِيٍّ، وَقِيمَةَ مُتَقَوِّمٍ، لِبُطْلَانِ قَبْضِهِ. اهـ.

وانظر الفتوى: 128146 في حد الفقير والمسكين المستحق للزكاة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني