الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عادات الناس في ميزان الشرع والمروءة والأدب

السؤال

كيف تضبط عادات الناس -التي لا تخالف النصوص الشرعية- من حيث الإنكار، وعدمه في مكان -مثل: أوروبا، وأمريكا- حيث يجتمع فيه مسلمون تختلف عاداتهم، فمثلا: إذا جلس شاب على كرسي في مجلس فيه من هو أكبر منه سنا، فأصل احترام الكبير ثابت، لكن فعل الشاب في المثل المذكور منكر عند بعض الناس، وقد يكون سائغا عند الآخرين، وعادات قوم لا يلزم بها الآخرون، في مجتمع مختلط العادات؟ أرجو منكم أن تذكروا ضابطا عاما في ذلك.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجوابنا على سؤالك يتلخص فيما يلي:

أولا: الأصل في العادات هو الإباحة، لا التحريم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ــرحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى:.... وَالْعَادَاتُ الْأَصْلُ فِيهَا الْعَفْوُ، فَلَا يُحْظَرُ مِنْهَا إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَإِلَّا دَخَلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا} [يونس: 59] .ا. اهـ.

وما دام الأصل فيها الإباحة، فإنه لا يُنكر منها إلا ما دل الشرع على أنه منكر.

ثانيا: المنكر شرعا لا يختلف باختلاف بلدان الناس، وينكر على فاعله ولو كان في عرف قومه سائغا، فلو اجتمع قوم من بلدان مختلفة، وفعل بعضهم فعلا محرما شرعا، هو عادة في مجتمعه، وجب الإنكار عليه -وفق ما جاء به الشرع في التدرج في إنكار المنكر- ولو كان ما فعله عادة شائعة في مجتمعه؛ إذ لا عبرة بالعرف المصادم للشرع.

ثالثا: وفي المقابل أيضا لا ينبغي فعل العادة المباحة شرعا بين قوم يستقبحونها، وينسبون فاعلها إلى قلة الأدب، إذ المروءة تقضي بالبعد عن مثل هذه الأفعال المستقبحة عند الناس، ولو كانت مباحة في أصل الشرع، وقد بينا هذا بشيء فيه تفصيل في الفتوى: 14805.

رابعا: لا يُترك ما جاء به الشرع من الفرائض، والواجبات لأجل مراعاة عادات الناس، فليس للمرأة المحجبة أن تتبرج إذا كانت عادة نساء مجتمعها التبرج، وليس للرجل أن يحلق لحيته إذا جرت عادة الرجال في مجتمعه بحلقها، ولا أن يترك الصلاة في المسجد، وشهود الجمعة إذا جرت عادة الناس بالتساهل فيها، وهكذا.

خامسا: قد يُشرع ترك الأمر المستحب مراعاة لعادات الناس إذا كان في تركه مصلحة شرعية كتأليف القلوب، وانظر تفصيل هذا في الفتوى: 341665.

سادسا: بالتتبع، والاستقراء نجد الغالب في عادات مجتمعاتنا في هذه العصور المتأخرة أنها على أقسام، منها عادات منكرة مخالفة للشرع، فهذه تُنكر وفق التدرج الذي جاء به الشرع في إنكار المنكر، ومنها ما هو موافق للشرع، ولكن ربما يفعله الناس على سبيل العادة، ويغيب فيه جانب الاحتساب، وهذه يُرَغَّبُ الناسُ في الاستمرار عليها مع تنبيههم على جانب النية، والاحتساب، ومنها عادات مختلطة، فيها ما يوافق الشرع، وفيها ما يخالفه، وهذا ينبه الناس إلى ما فيها من خير، ويُحذرون مما فيها من شر، ومنها عادات مسكوت عنها شرعا، فهذه مباحة، ولا تنكر على الناس.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني