الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تجب الزكاة في ثمن العنب إذا باعه لمن يتخذه خمرا

السؤال

هل تجوز الزكاة على أموال متأتية من دخل بستان كروم يُستعمل عِـَنبه لصناعة الخمر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد أجمع العلماء على أن في العنب (ثمر الكرم) الزكاة إذا تمت شروطها، وإنما أجمعوا على ذلك لما ورد فيها منه الأحاديث الصحيحة، منها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً: الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب. وفي لفظ: العشر في التمر والزبيب والحنطة والشعير.

ومنها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة: الحنطة والشعير والزبيب والتمر.

وعن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهم أجمعين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم، فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

ولا يشترط حولان الحول في زكاة الزرع والثمار ومنها العنب لأن الخارج نماء في ذاته، قال تعالى: وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام: 141]، فإذا بلغ الخارج نصابا وقدره خمسة أوسق وجبت فيه الزكاة، لما رواه مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه: ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة. وفي رواية لمسلم: ثمر. بالثاء المثلثة، والقدر المأخوذ في زكاة الزرع والثمار عشر الخارج أو نصف عشره، فالعشر فيما سقي بغير كلفة كالمسقي بماء المطر أو الأنهار.

ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالمسقي بالنواضح أو بالدوالي أو السواني أو المضخات، والدليل على ذلك ما رواه مسلم والنسائي وأحمد وغيرهم عن جابر رضي الله عنه قال: فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سقي بالسانية نصف العشر. وفي رواية أبي داود: الأنهار والعيون، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر. رواه البخاري وأصحاب السنن.

من هذا يعلم السائل أن صاحب العنب إذا حصد منه نصاباً أو أكثر وجب عليه إخراج الزكاة من عين العنب لا من ثمنه، أما إذا لم يحصل عنده نصابا فلا زكاة عليه أصلاً لا في ذات العنب ولا في ثمنه، اللهم إلا أن يتجمع عنده من ثمنه نصاب ويستمر كذلك إلى أن يحول عليه الحول فيزكيه عندئذ زكاة العين، فإذا باع صاحب العنب عنبه لمن يتخذه خمراً وهو أمر محرم، فهل تجب الزكاة في ثمنه أو لا؟ وهذا هو السؤال: وجوابه يحتاج إلى معرفة حكم هذا النوع من البيع بعد الوقوع هل هو صحيح أم لا؟ فنقول وبالله تعالى نستعين:

ذهب الحنفية والشافعية، والحنابلة في وجه: إلى صحة هذا البيع، وعلله الشافعية بأن النهي لا يقتضي البطلان هنا، لأنه راجع إلى معنى خارج عن ذات المنهي عنه وعن لازمها، لكنه مقترن به، نظير البيع بعد نداء الجمعة، وذهب المالكية إلى: أنه يجبر المشتري على إخراجه من ملكه، من غير فسخ للبيع، أما الحنابلة فنصوا على: أنه إذا ثبت التحريم، بأن علم البائع قصد المشتري الخمر بشراء العنب، بأي وجه حصل العلم، فالبيع باطل، وذلك لأنه عقد على عين لمعصية الله تعالى بها فلم يصح، ولأن التحريم هنا لحق الله تعالى فأفسد العقد، كبيع درهم بدرهمين، فعلى صحة هذا البيع بعد الوقوع، وهو مذهب الأكثر فالثمن مملوك للبائع وتلزمه زكاته بالشرط السابق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني