الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من الأمور التي تؤدي إلى بطلان العمل

السؤال

أرجو منكم التوضيح (باستفاضة وأمثلة) كيف يُحبط الله الأعمال؟ مثال: كان كل الصحابة رضوان الله عليهم -حتى المبشرون بالجنة- يخافون أن تحبط أعمالهم! كيف من الممكن أن يكون ذلك؟ وأعوذ بالله أن أكون مستنكرًا، وإنما أستفسر للاستزادة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبطلان ثواب الأعمال الصالحة يكون بعدة أمور منها ما يحبط العمل كله، وهذا هو الشرك بالله تعالى، والردة عن الإسلام، وقد تضافرت الأدلة على ذلك، فقد قال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة: 5]، وقال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88]، وقوله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].

قال الإمام القرطبي في تفسيره: ليحبطن عملك هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقيل الخطاب له والمراد أمته، إذ قد علم الله أنه لا يشرك ولا يقع منه شرك، و الإحباط الإبطال والفساد، قال: القشيري: فمن ارتد لم تنفعه طاعاته السابقة، ولكن إحباط الردة العمل مشروط بالوفاة على الكفر ولهذا قال: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [البقرة: 217].

ولهذا قلنا: من حج ثم ارتد وعاد إلى الإسلام لا يجب عليه إعادة الحج، قلت هذا مذهب الشافعي وعند مالك تجب عليه إعادة الحج. انتهى.

وأما غير الشرك من السيئات، فإنه يدافع الحسنات والعبرة بالغالب، ولمعرفة بعض السيئات التي تحبط العمل، راجع الأجوبة التالية: 41314، 36613، 37185.

والخوف من بطلان ثواب العمل الصالح بسبب مخالفة أوامر الله تعالى، ثابت عن السلف الصالح، فقد قال الإمام ابن كثير في تفسيره إنه لما نزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2].

قال ابن الزبير: رضي الله عنهما: فما كان عمر رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ثم ذكر قصة ثابت بن قيس وجلوسه في بيته بعد نزول هذه الآية مخافة أن يكون هو المقصود، وأن عمله قد حبط، حتى بين له رسول الله صلى الله عليه وسلم براءته من ذلك.

وفي صحيح البخاري: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وقال إبراهيم التيمي ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا، وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل، ويذكر عن الحسن ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني