الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحقوق الشرعية المقررة لا تسقط بالتقادم

السؤال

لو سمحت أريد آية قرآنية تتعلق بالتقادم أي بمعنى آخر إذا شخص ارتكب جريمة ولم تطبق عليه العقوبة لأنه تمكن من الفرار منها فسقطت عنه الجريمة لفوات ميعاد رفع الدعوى عليه.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

وبعد: فلا توجد آية تتعلق بما سألت عنه، والحكم الشرعي على خلاف ذلك، فالحقوق المقررة لا تسقط بالتقادم، ومن صدرت منه جريمة متعلقة بمال مسلم أو عرضه فلا تسقط المطالبة بها بسبب طول الزمن بل الواجب طلب العفو من صاحب الحق أو أداء المال إليه إن كان الحق ماليا لقوله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأحد من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لايكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري وغيره.

وإن كانت الجريمة متعلقة بحد من الحدود الشرعية كالزنى أو قتل نفس معصومة أو جرحها فالواجب تطبيق ذلك الحد الشرعي ولا يجوز تعطيله ولو هرب الجاني ولجأ إلى البيت الحرام، قال الشيخ الخرشي المالكي في شرحه لمختصر خليل: وإذا لزم الجاني قصاص في نفس أو جرح ثم دخل الحرم فإنه لايؤخر لأجل ذلك ويقام عليه الحد في الحرم لأنه أحق أن تقام فيه حدود الله تعالى. انتهى

وإن كان الأمر يتعلق بمن يمارس الحرابة بقطع الطريق على الناس بالقتل والإخافة وأخذ الأموال فهذا إن تاب قبل القدرة عليه بأن جاء تائبا من تلقاء نفسه فيسقط عنه حق الله تعالى بالتوبة كما قال: [إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ](المائدة:33)

[إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ]

(آل عمران:89)

ولعل هذه الآيات هي التي عناها السائل، وقد قال الإمام ابن كثير في تفسيره:

وأما المحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القدرة عليهم فإنه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل وهل يسقط قطع اليد أم لا فيه قولان للعلماء وظاهر الآية سقوط الجميع وعليه عمل الصحابة. انتهى

أما حقوق الآدميين فلا تسقط عن المحارب ولو جاء تائبا قبل القدرة عليه قال ابن قدامة في المغني: فإن تابوا من قبل أن يقدر عليهم سقطت عنهم حدود الله وأخذوا بحقوق الآدميين من الأنفس والجراح والأموال إلا أن يعفى لهم عنها، لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأبو ثور والأصل في هذا قول الله تعالى: [إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ](المائدة:34)

فعلى هذا يسقط عنهم تحتم القتل والصلب والقطع والنفي ويبقى عليهم القصاص في النفس والجراح وغرامة المال والدية لما لا قصاص فيه. انتهى

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني