الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسألة حول الحلف بالطلاق

السؤال

والدي رجل صوفي منذ شبابه فعمره الآن 55 سنة، والحمد لله الذي هداني إلى سنة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، حاولت كثيراً معه لاتباع سنة الحبيب ولكنه شديد التصوف وفي يوم من الأيام كنت أسمع محاضرات دكتور في الأزهر الشريف وكان يسمع معي وبعد سماع الشريط انتقد الشيخ لرده على شيخ المسجد الزينبي بالقاهرة لأنه (أحل الغناء) فقال الدكتور (أعمى الله قلبه وبصيرته)، فقال أبي لا تدخل هذا الرجل بيتي بسبب قذفه لشيخ المسجد الزينبي ثم حلف بالطلاق لا أتذكر بالثلاثة أم لا والسبب الحقيقي لهذا الحلف أن الدكتور الأزهري يقاوم التصوف ولا يحب التصوف ثم إن أخي سمع إحدى المحاضرات من وراء أبي وفي إحدى المرات سمعه أبي فأخذ CD ثم كسرها ولم يطلق أمي كما حلف فعلمت أنه يقصد التهديد أو الله أعلم (فقد حلف علي لحبه الشديد للتصوف) والسؤال: هل هذا الحلف يقع أم لا، هل توجد كفارة وإذا كانت توجد كفارة هل يمكنني أن أدفعها دون علم والدي لأني اقترحت عليه ذلك فغضب، هل يمكنني سماع الشيخ من غير علم أبي لأنني أحبه حباً شديداً لأن كل قوله قال الله وقال الرسول موضحا رأي الأئمة الأربعة لا ينحاز لأحد منهم ولا ينحاز لأي أحد، أفيدوني أفادكم الله؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد عرف شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله حقيقة التصوف فقال: التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية.

وأما المنتسبون إلى التصوف فهم أصناف وكذلك الحاكمون عليه، وقد بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مع ذكر الصواب فقال رحمه الله: فطائفة ذمت" الصوفية والتصوف". وقالوا: إنهم مبتدعون خارجون عن السنة ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام. وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم. و" الصواب" أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب. ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه. وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم: كالحلاج مثلا، فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه وأخرجوه عن الطريق.

مثل: الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره. كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، في طبقات الصوفية، وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد. فهذا أصل التصوف.

وعليه فليس كل منتسب إلى التصوف مذموم ولا يجوز الحكم عليه بالبدعة أو الضلال حتى ينظر في حاله فإن كان ملتزما بالكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين فهو من أهل السنة والجماعة ولا إنكار عليه لمجرد انتسابه للتصوف الذي كان علما على الزهد والتزكية وإن كان قد انحرف عن ذلك وأقبل على الشطحات والخرافات التي اشتهرت عن كثير ممن ينتسب إلى الصوفية كالاستغاثة بالأموات والطواف حول القبور والذبح لها وغير ذلك فإنه ينصح برفق وحكمة ويبين له وجه الحق لاسيما إذا كان المنصوح هو الوالد.

وأما حلف والدك بالطلاق فإن كان حلف على أن لا يدخل الشريط بيته سواء أدخلته أنت أو أخوك ثم أدخله أخوك فإن الطلاق يقع حسب ما أوقعه، فإن كان واحدة فواحدة، وإن كان اثنتين فاثنتين وإن كان ثلاثا فثلاثا، ولا يمكنه إلغاء تلك اليمين ولا حلها بناء على قول جمهور أهل العلم إن الحلف بالطلاق هو طلاق معلق وذلك لا يصح حله، ويحسب طلاقا فإن كان بائنا فلا رجعة له عليها ولا يجوز له نكاحها إلا بعد أن تنكح زوجا غيره وإن كان رجعيا فله إرجاعها في العدة بدون عقد ولا مهر جديدين وإن كانت العدة قد انقضت فله عقد نكاح جديد عليها، وإن كان علق الطلاق على ادخالك أنت الشريط ثم أدخله أخوك فلا يقع شيء مما مضى بيانه.

هذا ومن أهل العلم من قال: إن الحلف بالطلاق له حالتان.

الأولى: أن يكون الحالف أراد باليمين تعليق الطلاق على ماحلف عليه أي أراد وقوع الطلاق إذا حصل ما علق عليه، وفي هذه الحالة فله حكم الطلاق المعلق.

والثانية: أن يكون الحالف قصد اليمين فقط أي لم يرد إيقاع الطلاق وإنما أراد الحث على فعل شيء أو المنع منه، وفي هذه الحالة يعتبر حلفه بالطلاق يمينا كسائر الأيمان فله حلها، ويكفر عنها كفارة يمين وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد شيئا من ذلك صام ثلاثة أيام.

ولا شك أن قول الجمهور قول قوي جدا وعليه فينبغي لك مراجعة والدك في هذا الأمر الخطير برفق وحكمة وتستفصل منه مراده وتبين له الحكم فيه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني