الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نقل القرآن الكريم بالبريد.. رؤية شرعية أدبية

السؤال

هل يجوز إرسال المصحف مع شركة نقل الطرود؟ فهم يضعون الطرود فوق بعضها، ورأيت إحدى الشركات ترمي الطرود لفرزها من أجل نقلها، وهل يصحّ عدم التفتيش في طريقة النقل، ونكتفي بوضع تنبيه أن هذا الكرتون يحتوي على مصحف، وإذا امتهن أو وضع بشكل لا يليق، فهل يأثم الناقل فقط؟ وهل كتب الحديث والتفسير وغيرها تأخذ نفس حكم إرسال المصحف؟ وهل يجوز للعامل في شركة النقل أن يمسّ المصحف وهو على غير طهارة -للتأكّد من عدم وجود شيء داخله ممنوع مثلًا-؟ وهل يكتفي بوضع قفازات؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا وُضع المصحف في طرد يحفظه، وغُلِّف بما يحول بينه وبين مباشرة أيدي من يحمله، ووضع عليه تنبيه باحتواء الطرد على مصحف؛ ليحظى الطرد بمعاملة خاصة، فنرى أنه لا يحرم إرساله بهذه الطريقة عبر شركات النقل أو الشحن؛ لعموم البلوى بذلك، والحاجة إلى شحن المصاحف ونقلها من المطابع، والمكتبات، والمتاجر.

وأما ما ذكره السائل من رمي الطرود؛ فهذا ليس من باب الازدراء، أو الابتذال، وإنما من أجل فرزها ونقلها -كما ذكر السائل- وهذا قريب من وضع المسافر مصحفًا في حقيبة ملابسه التي توضع في مخزن الطائرة، مع كون هذه الحقيقة تتعرّض للرمي من قِبل عمال المطارات؛ من أجل حمل ونقلها أثناء السفر، وانظر الفتوى: 129241.

قال ابن مازه الحنفي في «المحيط البرهاني»: إذا كان للرجل ‌جوالق، وفيها مراسم مكتوب فيها شيء من القرآن، أو كان في الجوالق كتب الفقه، أو كتب التفسير، أو المصحف، فجلس عليها أو نام، فإن كان من قصده الحفظ، فلا بأس ... وإذا ‌حمل ‌المصحف أو شيء من كتب الشريعة على دابة في ‌جوالق، وركب صاحب الجوالق على الجوالق؛ لا يكره. اهـ.

وعلَّل ذلك السنامي في «نصاب الاحتساب» فقال: لأن قصده الحفظ دون الابتذال. اهـ.

وجاء في الفتاوى العالمكيرية (الفتاوى الهندية): إذا كان للرجل ‌جوالق، ‌وفيها ‌دراهم ‌مكتوب ‌فيها شيء من القرآن، أو كان في الجوالق كتب الفقه، أو كتب التفسير، أو المصحف، فجلس عليها أو نام، فإن كان من قصده الحفظ، فلا بأس به، كذا في الذخيرة. اهـ.

وقال عليّ الشبراملسي في حاشيته على «نهاية المحتاج» للرملي: وقع السؤال في الدرس عما لو ‌جعل ‌المصحف ‌في ‌خرج أو غيره، وركب عليه، هل يجوز أم لا؟ فأجبت عنه بأن الظاهر أن يقال في ذلك: إن كان على وجه يعدّ إزراء به، كأن وضعه تحته، بينه وبين البرذعة، أو كان ملاقيًا لأعلى الخرج مثلًا من غير حائل بين المصحف وبين الخرج، وعد ذلك إزراء له، ككون الفخذ صار موضوعًا عليه حرم، وإلا فلا، فتنبه له؛ فإنه يقع كثيرًا. اهـ. وذكر مثل ذلك الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج.

ولا يخفى أن التعامل مع الطرد الذي فيه مصحف، أيسر من التعامل مع المصحف نفسه مباشرةً.

وإذا حكمنا بهذا مع المصحف؛ فأولى منه كتب التفسير، والحديث، وغيرهما.

وقد عُرض على لجنة الأمور العامة في هيئة الفتوى الكويتية سؤال نصّه: نظرًا لقيام بعض الجمعيات الإسلامية بإرسال القرآن الكريم من خلال البريد إلى المسلمين في كثير من الدول الإسلامية؛ مما يعرضه للرمي، وعدم نقله بالطريقة التي تليق بمكانته؛ فإننا نرغب بإفادتنا بالرأي الشرعي لهذا العمل (في طريقة نقل القرآن الكريم بالبريد) حتى نتجنّب الوقوع بأي مخالفة شرعية -إن وجدت- بهذا الأمر.

فأجابت اللجنة بقولها: يجب تمييز الطرود الخاصّة بنقل القرآن الكريم المرسل بطريق البريد، أو غيره؛ بوضع إشارة على الطرد، تفيد بذل العناية اللازمة؛ لعدم تعريض هذه الطرود للامتهان. اهـ.

وأما مسّ المصحف لغير المتطهّر، فهو ممنوع عند جماهير الفقهاء، ورخّص فيه بعض أهل العلم.

وكذلك مسّه بحائل -كالقفاز- محل خلاف بين أهل العلم، فمنعه الشافعية، والمالكية، وأجازه الحنابلة، والحنفية، ولا حرج في الأخذ بالجواز عند الحاجة، وراجع في ذلك الفتاوى: 141022، 47173، 142275، 396082.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني