الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التخلص من الكسب في الإعانة على المحرمات بين اللزوم وعدمه

السؤال

أعمل في إصلاح أجهزة نقاط البيع، وحوالي 3-5% من عملائنا من الحانات أو بائعي التبغ.
عندما انضممتُ، كنتُ أُصلح نقاط البيع الخاصة بهم، مُسهِّلاً بشكل غير مباشر بيع الكحول، مع أن ذلك كان نادراً وليس باختياري. إلا أنني أتساءل الآن إن كان دخلي حراماً، وهل يجب عليّ التبرع لتطهيره؟
كنتُ أيضاً أُمسح ذاكرة التخزين المؤقت للتطبيق لتخطي الإعلانات، وهو ما بدا لي غشاً، وساعدتُ ذات مرة دون قصد في بيع جهاز نقاط بيع مُعاد استخدامه على أنه جديد.
مؤخراً، قرر مديرنا إيقاف دعم هؤلاء العملاء الحرام بعد انتهاء اشتراكاتهم بعد ثلاثة أشهر. مع ذلك، أشعر بذنب شديد، وأشك في رزقي، وأُخطط للتبرع بمبلغ 100-150 دولاراً لتغطية أرباحي المشكوك فيها، وترك هذه الوظيفة لوظيفة أنظف.
أرجو أن تخبروني إذا كانت شكوكي وسواساً أم مبررة؟ لأنه حتى بعد التوقف عن القيام بكل هذه المهام، ما زلت أشعر بعدم الارتياح، وكأنني ما زلت أساعد الأشخاص الذين يقومون بما كنت أفعله بشكل غير مباشر وغير راغب.
أسأل عن رأي جمهور العلماء، ويفضل أن يكون على المذهب المالكي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاستغفر الله -تعالى- مما كنت قد أعنت عليه من حرام، سواء ما يتعلق ببيع ما هو محرم، أو بالغش -كإصلاح ما يتعلق بالحانات، ومحلات التبغ، والمساعدة في بيع جهاز نقاط مستعمل على أنه جديد-، واعزم على ألا تعود إلى ذلك، واندم عليه.

وأما دخلك، وهل يلزمك التبرع بشيء منه لتطهيره؟ فإن كانت أعمال الإعانة على المحرمات والغش ليس لها عوض مخصوص، وإنما الراتب مقابل الوظيفة -وهي على عمل مباح في الأصل هو إصلاح نقاط البيع عمومًا-، فلا يلزمك التخلص من شيء مما تكسبته، كما نبهنا عليه في الفتوى: 342157.

وأما إن كان لتلك الأعمال المحرمة عوض مخصوص، فيلزمك التخلص منه بالصدقة به على الفقراء، أو في مصالح المسلمين، بناء على ما نفتي به من تحريم أجرة العمل الذي فيه إعانة على المحرم، والمسألة محل خلاف بين العلماء، وانظر فيها الفتوى: 425494.

وأما قولك: (كنتُ أيضاً أُمسح ذاكرة التخزين المؤقت للتطبيق لتخطي الإعلانات...)، فلم يتبين لنا المقصود منه، ولا وجه الغش فيه.

وأما الآن؛ فإن كان العمل مباحًا صرفًا، ليس فيه مباشرة حرام، ولا إعانة عليه، فلا حرج عليك فيه. وقد ذكرت أن صاحب العمل قرر إيقاف دعم أولئك الزبائن بعد انتهاء اشتراكاتهم.

وخلاصة القول؛ أن تحري الحلال، والاحتياط للدين أمران محمودان، لكن دون أن يصل ذلك حد الوسوسة والخوف الزائد دون مسوغ. فقد روى مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هلك المتنطعون.. قالها ثلاثًا.

والتشدد هو التعمق والمبالغة في الأعمال الدينية، وترك الرفق.. ولا يفعل ذلك أحد إلا عجز وانقطع فيغلب.

نقل الحافظ في الفتح عن ابن المنير عند شرحه لحديث البخاري: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع.

وصدق ابن المنير -رحمه الله- فكم شُوهد في هذا العصر من الشباب المتحمسين الذين كان لهم غلو وتشدد، انتكسوا، وانقطعوا .. وانحرف بعضهم إلى الإفراط أو التفريط.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني