السؤال
أنا شابٌّ مُقبِلٌ على الزواج، وأواجه مشكلة مع أبي وأهل بيتي.
أبي امتنع عن دعمي في تجهيز الزواج، ثم عاد بعد فترة وبدأ يضغط عليَّ في قرارات تخصّ الفرح والعلاقة بأختي، ويشترط أن أتصرف بطريقة معينة، وإلا فإنه سيغضب ويقاطع، وهو يغيّر كلامه كثيرًا ويُشعرني بالتقصير معه، رغم قيامي بكل ما أقدر عليه.
هذا يسبب لي ضغوطًا نفسية شديدة، ويؤثر في زواجي، وأحيانًا يطلب مني فوق قدرتي، أو ما يسبب لي الأذى النفسي.
فما حدود برّ الأب في مثل هذه الحالة؟ وهل يجب عليَّ الاستجابة لكل ما يطلبه حتى لو كان فيه ضرر نفسي، أو ضغط غير محتمل؟ وهل يجوز لي شرعًا أن أحدد علاقتي به؟ أو أضع حدودًا في التعامل قبل الفرح وبعده حفاظًا على استقراري؟ وهل آثم إذا امتنعتُ عن تنفيذ طلباته التي تُتعبني نفسيًا، أو تُسبّب مشاكل في زواجي؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحقّ الوالد على ولده عظيم، وبرّ الولد وطاعته لأبيه في المعروف؛ من أفضل القربات إلى الله، ومن أسباب التوفيق والسداد، كما أنّ عقوقه من أكبر الكبائر.
والطاعة الواجبة للوالدين تكون في المعروف، وفيما لا ضرر فيه على الولد.
قال ابن تيمية -رحمه الله- : ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره، وجب وإلا فلا. انتهى من الفتاوى الكبرى.
وعليه؛ فما كان عليك فيه ضرر محقّق، فلا تجب عليك طاعة أبيك فيه، لكن عليك مع ذلك برّه والإحسان إليه قدر استطاعتك، ولا تجوز لك الإساءة إليه، أو التقصير في حقّه.
وأمّا وضعك حدودًا في التعامل مع أبيك؛ فإن كان فيه قطيعة، أو جفاء، أو إساءة إليه؛ فهذا محرم.
وأمّا إن كان لمجرد اجتناب الضرر، وتحاشيًا لأسباب غضبه، مع المحافظة على البرّ والإحسان والأدب والتودّد؛ فلا حرج في ذلك، وراجع الفتوى: 431425.
واعلم أنّ برّ الوالدين من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله، وأرجاها ثوابًا وبركة، فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.
قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قال القاضي أي: خير الأبواب وأعلاها، والمعنى: أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة، ويتوسل به إلى وصول درجتها العالية، مطاوعة الوالد، ومراعاة جانبه. انتهى.
والله أعلم.