الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس من الصواب أن يشنع على من تمسك بأقوال الأئمة والعلماء

السؤال

عندنا عالم يقول إن من ترك العمل بالحديث في مسلم عن مسافة القصر ثلاثة فراسخ، أي 20 كيلومترا وأخد بمذهب الجمهور فقد ترك السنة. فما صحة قوله ولماذا لا نأخد بالحديث المذكور؟ كذلك في باب السترة فقد شنع تشنيعا حين اختلفت مع أحد تلاميذه وقلت إنها فقط مندوبة وليست واجبة في كل الأحوال. ما نصيحتكم للعلماء الذين يأخذون بالحديث ويخالفون أقوال الأئمة والعلماء ويقولون تلك هي السنة ويشنعون علينا بترك السنة إن لم يضللونا؟ وهذا العالم أنا أراه متشددا حيث يمنع الصلاة خلف حالق اللحية وهو يبيح الأخذ منها. ولاينصح بالمنبه لصلاة الفجر ويقول إن قمت تبارك الله وإلا فلا. وما العمل إن كان هو العالم السني الوحيد بالمدينة، هل نستفتيه أو نكتفي بفتاواكم؟ وكيفية العمل مع تلاميذه هل ننصحهم بعدم تقليده؟ صديقي طالب عنده فما نصيحتكم له إذ أنه لا يقبل إلا كلامه هو وأما غيره فلا. فأنا أراه تقليدا أعمى.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحديث الذي أشرت إليه عن الإمام مسلم صحيح ونصه: عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ، شعبة الشاك صلى ركعتين. والحديث رواه أيضا أبو داود في سننه وأحمد في مسنده. واعلم أن من أخذ بمذهب جمهور العلماء لا يعد تاركا للسنة، والحديث الذي أوردته في السؤال ليس نصا في تحديد مسافة القصر، بل شرحه كثير من أهل العلم بأن المقصود فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج في سفر وأدركته الصلاة بعد قطع ثلاثة أميال أو أكثر فإنه يصليها قصرا. وراجع في مذاهب العلماء في مسافة القصر فتوانا رقم: 10813. وقد ورد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسترة، لكن جمهور الفقهاء حملوا هذا الأمر على الندب وقالوا إنه ليس للوجوب، وراجع فيه الفتوى رقم: 49124. واعلم أن الواجب اتباعه هو ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال والتقريرات. ولكن العالم إذا أراد العمل بحديث فلا بد أولا من معرفة صحته وما إذا كان منسوخا أم لا، وما إذا كانت ثمت نصوص أخرى تقيده أو تخصصه ونحو ذلك. وهذا هو ما قام به الأئمة والعلماء ـ جزاهم الله عنا خيرا. وعليه فليس من الصواب أن يشنع بعض أهل العلم على من يتمسك بأ قوال الأئمة والعلماء، ولا ينبغي أن يعتبر اتباع الأئمة تركا للسنة، لأن الأئمة رحمهم الله هم الذين محصوا هذه السنة وخلصوها مما أراد لها أعداء الإسلام من التزييف والوضع والانحراف. وينبغي كذلك ملاحظة أن العلماء ليسوا معصومين من الخطأ، ومتى اطلع على أن قول أحدهم قد جانب الصواب وثبتت السنة الصحيحة بتخطئته وجب العدول عنه والأخذ بالسنة. وحلق اللحية يعتبر فسقا، ومثله تهذيبها إذا كان إنهاكا لها، وراجع فيه الفتوى رقم: 3851. وراجع في الصلاة خلف الفاسق الفتوى رقم: 1636. واتخاذ المنبه لمن يعلم أنه لا يستيقظ للصلاة واجب، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وراجع فيه الفتوى رقم: 46996. ولا مانع من استفتاء هذا العالم مع عرض أجوبته على أهل العلم، فيؤخذ منها ما كان صوابا ويترك مالم يكن، مع تنبيهه ما أمكن إلى الصواب وتنبيه تلاميذه دون تجريح له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني