الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ما صحة الصلاة هذه؟ لقد دخلت المسجد وقد قضيت الصلاة المكتوبة، وكان في المسجد رجل لم يلحق الصلاة، وقد صلى صلاته وهو في الركعة الثانية، وقالوا لي صل مع هذا الرجل لأنه يصلي الصلاة المكتوبة، وقد دخلت معه في الصلاة وفي نيتي الصلاة المكتوبة، ثم دخل أناس وصلوا معنا ولما سلم الإمام أكملت الركعة الفائتة؟ الرجاء بيان الحكم مع الدليل وشكراً

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإذا كان مرادك أنك دخلت المسجد، ووجدت الصلاة قد قضيت، ووجدت من فاتته الصلاة كما فاتتك أنت، ولكنه بدأ صلاته منفرداً ثم لحقت به أنت وغيرك، وقد فاتكم بعض صلاته، فصليتم معه ما أدركتم من صلاته، ثم قضى كل واحد منكم ما فاته من الصلاة على حدة. أقول: إذا كان هذا هو مرادك فإن صلاتكم صحيحة لا غبار عليها، ومن أدرك منكم معه ركعة فما فوقها فقد حصل فضل الجماعة، لكن ينبغي التنبه لنقطتين تتعلقان بمثل هذه الحالة وقد تكلم عليهما أهل العلم:
الأولى: أن تكوين جماعة في مسجد يصلي فيه إمام راتب، محل خلاف بين أهل العلم، وممن كرهه من أئمة الصحابة ابن مسعود، وممن كرهه من الأئمة من بعدهم مالك وأهل مذهبه، محتجين بأن ذلك لم يكن من هدي السلف الأول وربما كان ذريعة إلى تفريق الجماعة، وتفويت الغرض الأصلي من الصلاة في المسجد، وهو أن يصلي الكل جماعة واحدة، وعلى هذا فالأفضل لمن فاتتهم صلاة الجماعة في المسجد، وأرادوا أن يصلوا مجتمعين أن يذهبوا إلى بيت أحدهم فيصلوا فيه جماعة، كما ثبت ذلك عن ابن مسعود حين فاتته الصلاة هو وبعض التابعين، فرجع الكل إلى بيت ابن مسعود وصلوا فيه، وقد قيد أصحاب هذا القول أفضلية الخروج عن المسجد، والتجميع في البيت بما إذا لم يكن المسجد واحدا من المساجد الثلاثة: بيت الله الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، والمسجد الأقصى، قالوا: فيصلون بالثلاثة أفذاذاً إن دخلوا، لأن صلاة الفذ فيها أعظم أجراً من صلاة الجماعة خارجها.
أما الذين لم يكره عندهم التجميع بعد الإمام الراتب، فقد يستشهد لهم بحديث أبي سعيد الخدري، الذي رواه أحمد وأبو داود والدارمي، وفيه أن رجلا دخل المسجد وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يتصدق على هذا فيصلي معه"، وظاهر سياق القصة أنهما صليا في المسجد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد اطلع عليهما وهما يصليان فيه، وأقرهما على ذلك ولم ينكره.
ولعل الراجح في المسألة أن تجميع من فاتتهم صلاة في المسجد جائز، ولو كان الإمام راتباً ما لم يتخذ ذلك كالعادة، فإنه يمنع، أو يكره، لتفويته للمقصد الأساسي، وهو صلاة الكل جماعة واحدة.
النقطة الثانية: تتعلق بالرجل الذي صلى بكم هل يتم له فضل الجماعة أم لا؟
والجواب عن ذلك أن هذا - أيضاً - محل خلاف، فمن أهل العلم من قال: لا يتم فضل الجماعة إلا لمن دخل الصلاة بنية الجماعة ابتداء، فمن دخلها بنية الانفراد ولحق به غيره تم الفضل لذلك الغير، ولم يتم له هو، ومنهم من قال: يتم له هو أيضاً ما دام قد تم للآخر، واحتج هؤلاء بما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: بت عند خالتي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عندها في تلك الليلة، فقام يصلي فقمت عن يساره، فجذبني وجعلني عن يمينه.
وكون هذه الحادثة في صلاة النفل لا يجعلها غير صالحة للدليل في الفرض، لأن الأصل عدم التفريق بين النفل والفرض في الأحكام جملة.
ولعل القول الأخير هو الصواب.
وقد تظهر ثمرة الخلاف فيما إذا وجد هذا الإمام من يريد أن يصلي الفرض نفسه، فإذا قلنا: إن فضل الجماعة قد تم، لم تشرع له الإعادة، وإذا قلنا: إنه لم يتم، شرعت له.
والعلم عند الله تعالى.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني