الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا ينبغي للرجل أن يتخلى عن القوامة

السؤال

طلبت زوجتي مني الطلاق عدة مرات، وتكرر هذا أمام والدتها وأختها، وبعد تدخل الأهل تريد أن تأخذ مؤخر الصداق ونفقة المتعة ونفقة سنة، مع العلم أننا لم ننجب بعد زواج دام خمس سنوات بسبب انشغالها في الحصول على الماجستير ورفضها التام الإنجاب إلا بعد الانتهاء من الدراسة، وأيضاً ترفض طاعتي في زيارة والدي، وعندما تدخل أهلها لإزالة القطيعة مع أهلي، والتي يرفضها جميع أهلها، رفضت وطلبت الطلاق. فهل من حقها شرعاً هذه الحقوق التي تطالب بها من مؤخر صداق ونفقة متعة ونفقة سنة؟ وإذا كان من حقها فكيف يتم حساب نفقة المتعة ونفقة السنة؟ مع العلم أنني أحسن معاملتها، وكانت تعمل وتدخر كل راتبها خلال الخمس سنوات، ولم تشارك بأي أموال في المعيشة، حتى أنني كنت أعطيها ثمن بنزين سيارتي التي كانت تذهب بها إلى عملها. اعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأيها الأخ إن كان الأمر كما وصفت فعلاً، فما الذي حملك أن تصل إلى هذا المستوى من الضعف في القيام بالقوامة التي جعلها الله لك على زوجتك، حتى وصلت إلى هذا الحد من الهوان عليها، فألغتك من الناحية الواقعية، واشترطت عليك ما شاءت أن تشترط.

إن كنت تظن أن الشرع يأمرك بهذا، فالأمر على خلاف ذلك، وإن كانت العادات والتقاليد هي التي فرضت عليك ذلك، فلبئس العادات والتقاليد هي.

على كل حالٍ -أيها الأخ-، اعلم أن الله خلق الذكر والأنثى، وجعل لكل واحد خصوصيته، ولكل واحد حقوقاً تكفل له مصالحه، وعليه واجبات وجعل من خصوصية الرجل الولاية والقوامة على المرأة. قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 228]. وقال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء: 34].

فإذا تأملت هذه الآيات وأمثالها عرفت كيف أسس الخالق العليم الخبير الحكيم العلاقة بين الذكر والأنثى على دعائم من العدل التام والحكمة البالغة، ومراعاة الخصوصيات وتحقيق المصالح.

ولا تفهم من هذا أننا نتصور تلك الولاية التي جعلها الله تعالى للرجل على المرأة ولاية تسلط وجبروت معاذ الله أن يكون شرع الله هكذا، وإنما هي ولاية رعاية وتعاون ما بين الطرفين، يقوم كل واحد بواجباته، ويؤدي ما عليه من حقوقٍ.

بعد هذه المقدمة الطويلة نقول لك: إنه ينبغي أن يكون موقفك في وضعك هذا مزيجاً ما بين القوة وتحمل المسؤولية والعدل في ذلك، وبين اللين والحكمة ومراعاة الواقع. ثم اعرف مالك وما عليك من الناحية الشرعية.

فلك على زوجتك أن تطيعك كامل الطاعة في المعروف، وإن تمكنك من الاستمتاع بها متى شئت وأن لا ترفض الإنجاب مهما تعارض ذلك مع مصالحها الخاصة كالدراسة مثلاً، إلاًّ إذا كان في الإنجاب في فترة معينة ضرر معين على صحتها، فلا بأس أن تمتنع عن الإنجاب حتى يزول ذلك الضرر.

وعليها أن تحسن عشرتك بالمعروف وعشرة والديك وأهلك، وأن لا تخرج من بيتك، ولا تسافر إلا بإذن منك.

وعليك لها النفقة والكسوة والسكنى بالمعروف، ولها ما لك من الحق في الاستمتاع والإنجاب وحسن المعاشرة سواء بسواءٍ، كما قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ... [البقرة: 228].

فإن رضيت زوجتك أن تبقى معك على هذا الأساس من إعطاء الحقوق والقيام بالواجبات مع التغاضي عن الهفوات والزلات منك ومنها فبها ونعمت، وإن لم ترض بذلك ولم تنقد لشرع الله تعالى، فلست ملزماً بالطلاق إذا طلبته منك، إلا إذا أثبتت ضرراً يلحقها بالبقاء معك.

وإن أصرت على طلب الطلاق من غير ضرر، وأحبت أن تخالعها بمؤخر صداقها، فلك ذلك، وليس لها حق في المتعة بعد ذلك، ولا في النفقة، وإنما لها الطلاق مقابل التنازل عن مؤخر الصداق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني