الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التمسك بالقرآن وتحقيق النصر

السؤال

كنت أتناقش مع أحد الأصدقاء في أن من يتخذ القرآن منهجاً لابد وأن يقود
العالم.
فلم يقتنع و قال لي أعطني أمثلة على ذلك غير عصر الخلفاء الراشدين؛ لأن تلك
النهضة في عصرهم قد تكون نظراً لشخصياتهم الفريدة و ليس لاتخاذهم القرآن
منهجاً.
فلم أستطع الرد نظراً لضعف المعلومات .
فالرجاء إرشادي إلى الرد المقنع في هذا الموضوع
و جزاكم الله كل خير،
أنس العطار

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعتقاد أن انتصار الإسلام أول مرة على يد جيل الصحابة كان بسبب طبيعة شخصياتهم الفريدة هو محض افتراء مفتقر إلى برهان، وعلى صاحبك أن يدلل على دعواه وليس أنت.

فمن المعروف تاريخيا أن العرب قبل الإسلام لم يكونوا شيئا يذكر، كانوا بدوا يعيشون في الصحراء يعبدون الأحجار، ولا هم لهم إلا شرب الخمر وقرض الشعر والزنا وإقراض الناس بالربا ونحو ذلك، ولا يستحون من أي معرة!!

وكانوا يستخدمون قوتهم الحربية في الغدر بمن جاورهم من القبائل، وكانوا أذل أمة، فكانوا يرهبون الفرس في اليمن والعراق ويرهبون الروم في الشام، ولم يدر بخلدهم أن قوتهم ستضارع قوة الفرس والروم يوما فضلا عن أن تتفوق عليهم!!

فلما جاء الإسلام انقلبت حالهم من رعاة غنم إلى ساسة أمم، ومن قطاع طرق إلى قادة جيوش الفتح الإسلامي، ومن زناة إلى حماة أعراض، وفي ذلك يقول جعفر بن أبي طالب في حواره مع النجاشي: كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان.. وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم، والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاءه من ربه، فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.

وعلى هذا، فإن نهضة المسلمين في زمن الخلفاء الراشدين كانت بسبب تمسكهم بهذا الدين واستقامتهم عليه واعتزازهم به، وبإرخاص حياتهم في سبيل إعزازه، وإن ما نحن فيه من ذلة وهوان ليس راجعا إلى الإسلام، وإنما راجع لضعف إيمان المسلمين وقلة يقينهم وعدم تمسكهم بشرائعه.

هذا، ونبشرك بأن وعد الله لا يتخلف بتمكين المسلمين كما مكن الرعيل الأول من الخلفاء الراشدين والصحابة الطاهرين، ولكن باستيفاء شروط حققها المسلمون الأوائل. قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور: 55}.

والمسلمون الآن وقع فيهم من صنوف الشرك وعبادة غير الله ما حرموا بسببه نصر الله الذي آتاه للرعيل الأول

وقال الله تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {الحج: 40-41}.

ففي هذه الآية علق الله النصر على أربعة أمور بعد توحيده وعبادته وحده المذكور في الآية السابقة، وهذه الأمور هي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الأمور غير متحققة في واقعنا، فإذا تحققت انتصرنا ونهضنا كما انتصروا ونهضوا.

ولمزيد من التفصيل في الموضوع نحيل السائل على الكتب التالية: هل نحن مسلمون، و واقعنا المعاصر، وكلاهما للأستاذ محمد قطب. وكتاب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، وهو للشيخ أبي الحسن الندوي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني