الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسألة الصلح عن المجهول بالمعلوم

السؤال

عندنا في إحدى القرى منذ سنوات كان لبعض الناس أبقار ترعى في الجبال. وبعد مدة وقعت مشاكل الإرهاب فهجروا قريتهم وبعد مدة طويلة عادوا مع أن أبقارهم باقية و تكاثرت وأصبحت لا تعرف. فقام بعض الناس باصطيادها وبيعها. هل يجوز لهم ذلك؟ رحمكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذا السؤال يشتمل على مسألتين:

الأولى: حكم صيد هذه الأبقار.

الثانية: حكم اختلاط هذه الأبقار ونتاجها بعضها ببعض وعدم تميزها.

أما المسألة الأولى: فلا يجوز اصطياد هذه الأبقار باتفاق الفقهاء، والواجب على من اصطادها ثم باعها أن يفسخ عقد بيعها إن استطاع، ويردها على أصحابها، فإن لم يستطع ضمن لهم قيمتها.

وإن لم يعلم أصحابها فينظر، فإن كانت في موضع يخاف عليها فيه فإنها تأخذ حكم اللقطة.

وإن كانت في موضع لا يخاف عليها فيه فهي بمنزلة الإبل التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ما لك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وترعى الشجر، فذرها حتى يلقاها ربها. رواه البخاري.

جاء في المدونة في الفقه المالكي لابن القاسم: في لقطة الإبل والبقر والدواب قلت: أرأيت البقر أهي بمنزلة الغنم في قول مالك؟ قال: أما إذا كانت بموضع يخاف عليها فنعم، وإن كانت بموضع لا يخاف عليها السباع ولا الذئاب فهي بمنزلة الإبل. وراجع للأهمية الفتوى رقم: 33114.

وأما المسألة الثانية: فالمشروع للذين اختلط ملكهم وملك غيرهم من هذه الأبقار ونتاجها ولم يتميز بحيث أصبح ما يختص به كل منهم من هذه الأبقار مجهولا أن يتصالحوا ويقتسموا هذه الأبقار على قدر ما كان يملكه كل منهم منها، ويتوخوا الحق والعدل في ذلك، ويحلل كل منهم الآخر، وهذا الحكم داخل فيما يعرف عند العلماء بالصلح عن المجهول بالمعلوم، وهو مذهب الحنفية والحنابلة. قال في فتح القدير وهو حنفي: الصلح عن مجهول على معلوم جائز.

وقال في كشاف القناع وهو حنبلي: (ويصح) الصلح (عن المجهول بمعلوم إذا كان) المجهول (مما لا يمكن معرفته) وقوله (للحاجة نصا) متعلق بيصح علة له (سواء كان) المجهول (عينا أو دينا، أو كان الجهل من الجانبين كصلح الزوجة عن صداقها الذي لا بينة لها به، ولا علم لها ولا للورثة بمبلغه، وكذا الرجلان بينهما معاملة وحساب قد مضى عليه زمن طويل، ولا علم لكل منهما بما عليه لصاحبه.

ومما يستدل به على ذلك ما رواه أحمد عن أم سلمة قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست، ليس بينهما بينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إلي، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن بحجته -أو قال لحجته- من بعض، فإني أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار، يأتي بها أسطاما في عنقه يوم القيامة، فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن. قال الشوكاني في نيل الأوطار: فيه دليل على أنه يصح الإبراء من المجهول لأن الذي في ذمة كل واحد ههنا غير معلوم، وفيه أيضا صحة الصلح بمعلوم عن مجهول، ولكن لا بد مع ذلك من التحليل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني