الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوعد بالطلاق لا يعد طلاقا

السؤال

ما هو حكم من يقول إنه إذا أصبح لديه المال اللازم لتطليق زوجته فسوف يطلقها إن بقيت على أخلاقها (دون يمين) و هل يعتبر آثما و هل يستجاب دعاء الزوجة عليه بالجزاء لما فعل بها بعد أن أنعم الله عليه (مع العلم أنها تستغل سوء أوضاعه المادية لاستغلاله في أعمال البيت و الانتقاص من شخصيته مثلا : إذا طلبت منه كنس المنزل أو تحضير الطعام و رفض بسبب عودته من العمل متعبا تقول له حسنا سأقوم أنا بذلك لكن يجب عليك أن تجلب لي كذا و كذا لعلمها بعدم قدرته المادية و تقول أليس هذا واجبك؟)جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الحياة الزوجية تقوم بين شريكين الزوج والزوجة، ومبناها على التواد والرحمة، قال تعالى: ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) [الروم:21] وعلى كل من الزوجين أن يتقي الله تعالى في الواجب الذي أنيط به، ويقوم به أتم القيام، وأن يلتمس للآخر -إن قصر في واجبه- العذر في ذلك ويعينه عليه. ولعلك تنظر إلى بقية أخلاق هذه المرأة فيرغبك ذلك في إمساكها بالمعروف، وانظر إلى قول الله: ( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) [النساء:19] قال القرطبي: أي لدمامة أو سوء خلق - من غير ارتكاب فاحشة- أو نشوز، فهذا يندب به إلى الاحتمال، فعسى أن يؤول الأمر إلى أن يرزق الله منها أولاداً صالحين . اه .
وفي هذا المعنى يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" رواه مسلم. والمعنى لا يبغضها بغضاً كلياً يحمله على فراقها أي لا ينبغي له ذلك، بل يغفر سيئتها لحسنتها ويتغاضى عما يكره لما يحب، ومما يحكى في ذلك أن الشيخ أبا محمد بن أبي زيد المالكي كان من العلم والدين والمنزلة بمكان، وكانت له زوجة سيئة العشرة وكانت تقصر في حقوقه وتؤذيه بلسانها، فيقال له في أمرها ويعذل بالصبر عليها ( أي يلام على ذلك) فكان يقول: أنا رجل قد أكمل الله علي النعمة في صحة بدني ومعرفتي وما ملكت يمني، فلعلها بعثت عقوبة على ذنبي، فأخاف إن فارقتها أن تنزل بي عقوبة هي أشد منها.
فعليك بالنصح لزوجتك بالرفق واللين فلعل الله تعالى يصلحها لك، واستعن بالله على ذلك، ثم بأهل الخير والصلاح ممن يرجى له القبول لديها.
وأما إذا لم تستطع العيش معها بعد استنفاد كل السبل الممكنة في طريق الإصلاح ، واستحكمت النزاعات بينكما مما يجعل الاستمرار من قبيل المستحيل، ولا خلاص من هذا الوضع ولا سبيل إلى الإصلاح، فعندئذ يكون الطلاق حلاً مقبولاً في مثل هذا الوضع، وأما تهديدك لها بأنه إذا أصبح لديك المال اللازم لتطليقها فسوف تطلقها إن بقيت على أخلاقها، فإن مثل هذا لا يعد طلاقاً معلقاً، ولو ملكت المال اللازم لذلك وبقيت هي على ما تكره من أخلاقها، بل هو من باب الوعيد والتهديد. هذا ولو حدث الطلاق ولم يكن من الزوج ظلم ولا تعد على حقوق المرأة فلا يعتبر آثماً. لأنه استخدم حقاً من حقوقه المشروعة، ولا يستجاب دعاؤها عليه مع عدم ظلمه لها. قال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل" رواه مسلم. وفي الترمذي عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل ، أو كف عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم"
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني