الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القسمة عن تراض ماضية وجواز رجوع الوالد فيما وهب لولده

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيمتوفي والدنا (طيب الله ثراه) العام 1979 وانحصر إرثه في والدتنا ثلاثة أولاد وخمس بنات(إحداهن متخلفة عقليا) وكانت تركته كما يلي:
1/ عمارة في الخرطوم بحري مكونة من ثمانية شقق.2/ منزل في الخرطوم بحري.3/ مجمع دكاكين ومخازن بسوق أم درمان.4/ قطعة أرض في الخرطوم شارع الجامعة.5/ أرض زراعية في العقليين.6/ أرض زراعية في الكرمتة.7/ قطعة أرض في الفتيحاب.8/ أسهم في شركة تجارية.9/ مصنع في المنطقة الصناعية بحري.
وكانت وصيته المكتوبة كما يلي:
1/ لكل ولد وبنت شقة في العمارة.2/ مجمع الدكاكين والمخازن كان من نصيب ثلاثة بنات.3/ قطعة أرض شارع الجامعة كانت من نصيب الثلاثة أولاد.4/ المصنع كان من نصيب البنت الرابعة.5/ أرض العقليين كانت من نصيب البنت الرابعة وأحد بنات إخوته.6/ أرض الكرمته كانت من نصيب بنتي أختي.7/ أرض الفتيحاب وزعت طبقا للشرع.8/ أسهم الشركة كذلك وزعت طبقا للشرع.9/ المنزل كان من نصيب الوالدة.
وفي أثناء تنفيذ الوصية التي ارتضاها الجميع دون أي جدل تقدمت والدتنا (طيب الله ثراها) بطلب للمحكمة لتسجيل المنزل بأسماء الأولاد هبة منها لهم والكل ارتضى ذلك ولم نع حينها حكمتها في تلك الهبة وكان ذلك في العام 1980 وعلمنا بعدها سبب تسجيل المنزل للأولاد، وهو (خوفها من رجال البنات).
ومضت السنون وكل استلم نصيبه بل الأولاد تنازلوا عن شققهم للبنت الرابعة مقابل المصنع خوفا من أن يبيعه زوجها والذي تطلقت منه لاحقا وقنعوا بالمنزل سكنا لهم ووطنوا أنفسهم على ذلك.
في العام 1990 مرضت والدتنا بسرطان الثدي وتدهورت حالتها الصحية في نهاية التسعينات تقريبا وبدأ البنات يطلبن منها أن ترجع في هبتها وتستعيد المنزل باسمها وبالفعل أفلحن وطلبت مني والدتي إرجاع المنزل الذي وهبته لنا بإرادتها وكامل قواها ووعيها فلم أرفض وكيف لي أن أرفض طلبها وهي في تلك الحالة (علما أنني ما كنت أستطيع تنفيذ طلبها إلا في نصيبي لأن الآخرين كانا خارج الوطن وكذلك ماكنت أستطيع مقابلة المصاريف اللازمة لذلك وكنت حقا مصدوما جراء هذا الطلب ورجوع والدتي في هبتها وأنا وإخوتي قد كيفنا حياتنا وعشنا لأكثر من تسعة عشر عاما على أن هذا المنزل ملكنا وقد كنا قائمين عليه طوال هذه السنين من صيانة وعوائد وخلافه توفيت والدتنا (رحمها الله) قبل سنتين وبدأ البنات يطلبن بحقهن في المنزل الذى ما زال في اسم الأولاد وإن الطلب الذي طلبته والدتنا مني هو وصية ويجب تنفيذها (علما أن كل واحدة منهن تسكن في ملكها بل إحداهن تسكن في نفس المنزل ومؤجرة شققها) يقيني إذا ما تم تنفيذ ما يطلبن لن يكون هنالك منزل وسيأتي كل يطالب بنصيبه (لا طاقة لنا بشراء أنصبتهن) وستشتعل نار الفتنة ويتفرق شمل هذه الأسرة والضحية جراء ذلك أنا وإخوتي وقد كنا قانعين أن هذا المنزل ملكنا طوال هذه السنين ولم نسع لامتلاك غيره بل تنازلنا عن شققنا للأخت الرابعة مقابل المصنع سؤالي:
هل يحق لوالدتنا الرجوع في هبتها بعد أكثر من تسعة عشر عاما شرعا؟
هل طلبها لي بإرجاع المنزل وصية واجبة التنفيذ شرعا؟
الرأى الشرعي في وصية الوالد المكتوبة؟
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن القسمة التي تراضيتم عليها ورضيتم بها لتركة أبيك تعتبر ماضية، ولا يحق لأحد الرجوع فيها ولو حصل له غبن ما دام الجميع قد رضوا بها أولاً، وكانوا بالغين راشداء، ويشرط في نصيب غير البالغ الرشيد أن لا يكون مغبونا فيه، وعلى هذا فإن كان نصيب الأخت المعاقة عقلياً يساوي نصيبها لو قسمت التركة تقسيماً شرعياً فالأمر ماض ولا إشكال فيه، وإلا فإنه يجب عليكم أن تعيدوا إليها ما فات من حقها هذا ، قال ابن عاصم المالكي في التحفة عن قسمة الرضا والاتفاق:

ومدع غبنا بها أو غلطاً مكلف إن رام نقضا شططا

فهذا النوع من القسمة لا يرد لأنه وقع بالتراضي، وليس لأنه وصية من أبيكم، فالوصية للورثة لا عبرة بها كما قال النبي صلى الله عيله وسلم: إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث. رواه الترمذي وغيره.

وأما عن رجوع أمكم فيما وهبت لكم فيجوز لها ذلك بشروط، فقد نص أهل العلم على أن للأبوين أن يعتصرا ما وهباه لأبنائهما من العطايا التي لم تكن لعوض أو صدقة عليهم، وذلك لما رواه أحمد وأصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي لولده.

وهذا بشرط أن لا يتصرف الأبناء في الهبة بتفويت أو تغيير بين أو حدوث مرض مخوف للواهب أو الموهوب له.

قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة ممزوجاً بشرح النفرواي: وله أي الأب (وكذلك الأم) أن يعتصر ما وهب لولده الصغير أو الكبير ما لم ينكح لذلك أو يداين أو يحدث في الهبة حدثاً ينقصها في ذاتها أو يزيدها فإنها تفوت عليه.

وهو ما درج عليه ابن عاصم في التحفة حيث يقول:

ولا اعتصار بعد موت أو مرض له أو النكاح أو دين عرض.

ولهذا، فإن كانت والدتكم في مرض مخوف فإنه لا يحق لها اعتصار هبتها في حال المرض المخوف، وكذلك إذا كنتم أحدثتم تغييرا بينا في المنزل ولا عبرة بطول المدة لأنه ليس من موانع الاعتصار.

وننبه إلى أنه ينبغي لوالدتكم أن تسوي بين أبنائها وبناتها في العطية، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 6242 ومذاهب العلماء فيه، فنرجو الاطلاع عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني