الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطورة الاعتراض على الأحكام الشرعية بالرأي والعقل

السؤال

لقد قرأت عن حكمة تحريم ربا الفضل فقرأت أنه حرم لما فيه من الغرر ووقوع المشاحة والمشاحنة في كثير من الأحيان كمن باع كيلتين من القمح الرديء مثلاً بكيلة من القمح الجيد ربما يقول: إن المشتري قد ظلمني، وكنت أستحق بالكيلتين كيلة ونصفًا، فيغضب منه ويحقد عليه وتقع بينهما القطيعة وتفتقد الثقة. أو أن يقول المشتري أيضًا: إن البائع قد ظلمني فإن الكيلة من قمحي تساوي أكثر من كيلتين من قمحه، فيقع في نفسه ما وقع في نفس البائع. وسؤالي هو أليس هناك ظلم أكبر على المشتري إذا اشترى كيلة من القمح الرديء بكيلة من التمر الجيد؟ ألا يشعر المشتري حينئذ أنه قد ظلم حيث إنه اشترى كيلة رديئة بكيلة جيدة. و أليس من الأفضل أن يكون الناس أحراراً في هذا النوع من البيع حيث يستفيد كلاهما من هذه المبادلة وإن وقع فيها غرر؟ أما إذا باع مثلا بمثل كما أباحه الشارع مع مراعاة الشروط الأخرى فإنه لا يستفيد إلا الذي حصل على المتبادل الجيد؟ و ما وجه الاستفادة من هذه المبادلة كما أباحها الشرع للذي أخذ البضاعة الرديئة؟ هل يمكنكم أن تعطونا مثالاً على ذلك من معاملاتنا اليومية؟ أفيدونا و جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن حرمة الربا من المعلوم من الدين بالضرورة، بل هو من كبائر الذنوب لورود النهي الشديد والوعيد الأكيد فيه، والآيات والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر.

وهو ثلاثة أنواع:

ربا الفضل: وهو البيع مع زيادة أحد العوضين المتفقي الجنس على الآخر.

وربا اليد: وهو البيع مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما عن التفرق من المجلس أو التخاير فيه بشرط اتحادهما علة.

وربا النساء: وهو البيع للمطعومين أو للنقدين المتفقي الجنس أو المختلفين، لأجل ولو لحظة وإن استويا وتقابضا في المجلس.

وزاد بعضهم نوعا رابعاً وهو ربا القرض، لكنه في الحقيقة يرجع إلى ربا الفضل لأنه الذي فيه شرط يجر نفعاً للمقرض فكأنه أقرضه هذا الشيء بمثله مع زيادة ذلك النفع الذي عاد إليه.

قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: وكل من هذه الأنواع حرام بالإجماع بنص الآيات المذكورة والأحاديث الآتية، وكل ما جاء في الربا من الوعيد شامل للأنواع الأربعة نعم بعضها معقول المعنى وبعضها تعبدي..

ثم قال عن ذكر الحكمة من تحريم الربا: وأبدوا لتحريم الربا أموراً غير مطردة في كل أنواعه، ومن ثم قلت فيما مر إن بعضه تعبدي: منها: أنه إذا باع درهما بدرهمين نقداً أو نسيئة أخذ في الأول زيادة من غير عوض، وحرمة مال المسلم كحرمة دمه وكذا في الثاني لأن انتفاع الأخذ بالدرهم الزائد أمر موهوم، فمقابلة هذا الانتفاع الموهوم بدرهم زائد فيه ضرر أي ضرر.

ومنها: أنه لو حل ربا الفضل لبطلت المكاسب والتجارات إذ من يحصل درهمين بدرهم كيف يتجشم مشقة كسب أو تجارة وببطلانهما تنقطع مصالح الخلق، إذ مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والعمارات والحرف والصناعات.

ومنها: أن الربا يفضي إلى انقطاع المعروف والإحسان الذي في القرض إذ لو حل درهم بدرهمين ما سمح أحد بإعطاء درهم بمثله.

ومنها: أن الغالب غنى المقرض وفقر المستقرض، فلو مكن الغني من أخد أكثر من المثل أضر بالفقير ولم يلق برحمة الرحمن الرحيم. اهـ

فعلى المسلم أن يسمع لله ولرسوله سواء علم الحكمة أو لم يعلمها، قال ابن حجر الهيتمي فيمن يعترض على تحريم الربا بالرأي:

وغفلوا عن أن الله تعالى حد لنا حدوداً، ونهانا عن مجاوزتها، فوجب علينا امتثال ذلك لأن حدود الله تعالى لا تقابل بقضية رأي ولا عقل، بل يجب قبولها سواء أفهمنا لها معنى مناسباً أو لا، إذ هذا هو شأن التكليف والتعبد، والعبد الضعيف العاجز القاصر الفهم والعقل والرأي يتعين عليه الاستسلام لأوامر سيده القوي القادر العليم الحكيم الرحمن الرحيم المنتقم الجبار العزيز القهار، ومتى حكم عقله، وعارض به أمر سيده انتقم منه وأهلكه بعذابه الشديد: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ {البروج: 12}. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ {الفجر: 14}. اهـ

ومع ذلك فقد ذكر بعض أهل العلم بعض الحكم في تحريم ذلك النوع من الربا، قال الدهلوي في حجة الله البالغة: وسر التحريم أن الله تعالى يكره الرفاهية البالغة كالحرير والارتفاقات المحوجة إلى الإمعان في طلب الدنيا كآنية الذهب والفضة، وتفصيل ذلك أنه لابد من التعايش بقوت من الأقوات والتمسك بنقد من النقود والحاجة إلى الأقوات جميعها واحدة والحاجة إلى النقود جميعها واحدة...

إلى أن قال:

وأما تميز الناس فيما بينهم بأقسام الأرز والحنطة مثلاً واعتبار فضل بعضها على بعض وكذلك اعتبار الصناعات الدقيقة في الذهب طبقات عياره فمن عادات المسرفين والأعجام والإمعان في ذلك تعمق في الدنيا فالمصلحة حاكمة بسد هذا الباب. اهـ

وأما عن الفائدة التي يستفيدها صاحب البضاعة الجيدة، فقبل الإجابة على ذلك لابد من استحضار ما سبق من أن المسلم يقول سمعنا وأطعنا لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم سواء علم الحكمة من ذلك أو لم يعلم، ثم إن الشرع لم يأمر بذلك على سبيل الإيجاب أو حتى الاستحباب وإنما أباح بيع الجيد بالردي متساوياً،

ومع ذلك فهناك فائدة يجنيها صاحب البضاعة الجيدة وهي الإحسان إلى المحتاجين الذين لا يجدون البضاعة الجيدة، وما في ذلك من الأجر والثواب.

أما الأمثلة على الربا من التعاملات اليومية فهي كثيرة، ويمكنك مراجعة أمثلة كثيرة في البحث في فتاوينا عن طريق البحث الموضوعي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني