الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواز الجمع لصاحب السلس

السؤال

أرجو الإجابة على هذه الاستفسارات بدقة وعدم تحويل الرد إلى فتاوى سابقة، وجزاكم الله خيراً، قرأت فى موقعكم على الإنترنت الرد على فتاوى كثيرة بخصوص وضوء صاحب السلس أو وضوء أصحاب الأعذار، كان ردكم دائما هو أن الوضوء يكون بعد دخول الوقت لكل صلاة، لكن يوجد رأى للإمام مالك أو مذهب المالكية هو: أن السلس غير ناقض واستدل بأن الرسول قال للمرأة التى سألت اغتسلي وصلي ولم يقل لها وضوء لكل صلاة بعد دخول الوقت، نعم توجد مذاهب أخرى وضوء لكل صلاة بعد دخول الوقت، لكن هل رأى المالكية خطأ، واذا كان رأيهم صحيحا لماذا لم تعرض كل الأراء عند الرد على أسئلة وضوء صاحب السلس (راجع فتوى الأزهر http://www.al-eman.com/ لصاحب السلس تعرض كل الآرء)، أيضا يوجد رأى للشيخ فضيلة الشيخ صالح الفوزان (http://www.al-eman.com)( 15327)، بأن المقصود بوقت وضوء صاحب السلس هو الذى يصلي بعده مباشرة أي يمكن الوضوء لصاحب السلس قبل دخول وقت الفريضة بدقائق ويصلي سنة الوضوء والنوافل التي قبل الفريضة ثم بعدها بدقائق يدخل وقت الفريضة فيصليها.
أرجوالإفادة عن أن بعض أصحاب الأعذار مثل سلس البول يستنجى ويتوضأ فى آخر وقت الظهر ويصلي مباشرة الظهر فى آخر وقته وبنفس الوضوء يصلي العصر فى أول وقته هل يصح هذا لأنه يشق الطهارة والوضوء لكل صلاة، هل هذا صحيح الجمع الصوري حسب مذهب المالكية، وأيضا من قال بأن صاحب السلس يصلي مباشرة بعد الوضوء، لأن مذهب المالكية قال أصحاب الأعذار يجمعون جمعا صوريا فقط وليس لهم أن يجمعوا الصلاة فى وقت إحداهما بل ذلك فقط للمسافر وعند المطر، وأيضا هل صحيح الجمع الصوري للمغرب والعشاء لصاحب السلس الاستنجاء والوضوء والصلاة فى آخر وقت المغرب وبنفس الوضوء يصلي العشاء، ويوم الجمعة حيث لا تجمع الجمعة مع العصر أتوضأ قبل أذان الجمعة بدقائق حتى أدخل المسجد قبل دخول الإمام كما تعلم الملائكة لا تسجل من يدخل بعد صعود الإمام المنبر، وقبل دخول وقت العصر بدقائق أتوضأ حتى أذهب للمسجد وأدرك الجماعة وتكبيرة الإحرام مع الإمام، أرجو أن أعرف صحة ذلك مع الأخذ فى الاعتبار رأي المالكية ورأي من أفتى بأن صاحب السلس يصلي مباشرة بعد الوضوء فيمكن يتوضأ قبل الوقت بدقائق لصلاة نوافل أو الذهاب للمسجد لادراك الجماعة، أنا أجمع المغرب والعشاء جمعا صوريا لأني من أصحاب الأعذار لكن قرأت فتوى فى موقعكم رقم64090 بين المغرب والعشاء نصف سدس الليل كيف ذلك إذا كان هنا، وأيضا معظم الدول العربية ساعة ونصف بين المغرب والعشاء فى الصيف وساعة وثلث فى الشتاء تقريبا ويمكنك التأكد من ذلك فى التقويم أو النتيجة بينما حسب فتواك هنا تكون أربعين دقيقة فقط، أرجو بيان أيهما أصح لأني وبعض أصحاب الأعذار نجمع صوريا أي نصلي المغرب فى آخر وقتها والعشاء في أول وقتها لمشقة الطهارة لكل صلاة نرجو معرفة آخر وقت المغرب الصحيح؟ وجزاكم الله خيراً، نرجو الإجابة على كل جزء وعدم تحويل الرد إلى فتاوى سابقة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن على الأخ السائل أن يعلم أن السلس عند المالكية يعتبر ناقضاً إلا إذا كان يلازم كل الوقت أو جله أو نصفه بشرط أن لا يقدر المصاب به على علاجه، قال في منح الجليل عند قول خليل في مختصره في الفقه المالكي وهو يعطف على ما ينقض الوضوء كسلس مذي قدر على رفعه (أي) بتداوٍ أو صوم لا يشق عليه أو تزوج أو تسر ويغتفر له زمن التداوي والخطبة والشراء، فإن لم يقدر على رفعه ففيه الأقسام السابقة ملازمة الكل أو الجل أو النصف وحكمها العفو والأقل وحكمه النقض ولا مفهوم لمذي إذ كل سلس قدر على رفعه ناقض مطلقاً وألا فالأقسام الأربعة.

فإذا تبين لك هذا فاعلم أننا في هذا الموقع نعتمد في الفتوى على ما قوي دليله في نظرنا، وعند التكافؤ نعتمد على قول أكثر أهل العلم ما لم يصطدم بالدليل، ولذلك نفتي أن الراجح في هذه المسألة هو وضوء صاحب السلس ومن في حكمه عند كل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يعني ذلك أن رأي الإمام مالك في هذا كان خطأ، مع أننا لم نهمل رأيه في هذه المسألة في فتاوانا، وللتأكد من ذلك راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3861، 15270، 41812.

وما ذكر من أن مالكاً رحمه الله احتج بأن الحديث ليس فيه توضئي لكل صلاة صحيح، قال الزرقاني: قال ابن عبد البر: ليس في حديث مالك ذكرالوضوء لكل صلاة على المستحاضة وذكر في حديث غيره فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب السلس.

وما ذكرت عن بعض أهل العلم من أنه يجوز لصاحب السلس أن يتوضأ قبل دخول الوقت بدقائق إلى آخره محل خلاف بين أهل العلم، فعند المالكية والأحناف على تفصيل عندهم لا يشترط لوضوء صاحب السلس أن يكون بعد دخول الوقت وهذا موافق لما ذكر، مع أننا كنا نود من السائل نقل عبارة الشيخ في المسألة المذكورة.

ومذهب الشافعية والحنابلة أن وضوء صاحب السلس ومن في حكمه لا بد أن يكون بعد دخول الوقت، قال النووي في المجموع في الفقه الشافعي: مذهبنا أنه لا يصح وضوء المستحاضة لفريضة قبل وقتها ووقت المؤداة معروف ووقت المقضية بتذكرها قال: وحكى إمام الحرمين وجهاً أنها لو شرعت في الوضوء قبل الوقت بحيث أطبق آخره على أول الوقت صح وضوؤها وصلت به فريضة الوقت وهذا ليس بشيء ودليل المذهب أنها طهارة ضرورة، فلا يجوز شيء منها قبل الوقت لعدم الضرورة، وقال أبو حنيفة: يجوز وضوؤها قبل الوقت. انتهى.

ومعلوم أن وضوء صاحب السلس له حكم وضوء المستحاضة، وقال في مطالب أولي النهى ممزوجاً بغاية المنتهى في المذهب الحنبلي: ويلزم من حدثه دائم وضوء لوقت كل صلاة إن خرج شيء، لقوله صلى الله عليه وسلم في المستحاضة وتتوضأ عند صلاة. انتهى.

والذي يتلخص من السؤال هو هل يجوز لصاحب السلس أن يجمع بين الظهرين والعشاءين جمعاً صورياً بوضوء واحد، وهل يجوز الوضوء قبل الوقت بدقائق؟ فالجواب: أن وضوء صاحب السلس قبل الوقت مختلف في صحته كما سبق بيانه، والذي يترجح هو أنه لا بد أن يكون بعد دخول وقت الصلاة لقوة أدلة القائلين بهذا القول.

أما الجمع الصوري لصاحب السلس فجائز عند المالكية كما يجوز لغيره، قال أبو الحسن في كفاية الطالب الرباني في شرح الرسالة: وأما الجمع الصوري فجائز لذي العذر وغيره، وقال خليل في مختصره: وللصحيح فعله -يعني الجمع الصوري.

وإذا جاز لغير عذر فجوازه لصاحب السلس من باب أولى، ولا مانع يمنع صاحب السلس منه عندهم.

وصرح الشوكاني في السيل الجرار بجواز الجمع بجميع أشكاله لصاحب السلس والمستحاضة قال : ولهما أي المستحاضة وصاحب السلس جمع التقديم والتأخير، والمشاركة بوضوء واحد.

والذي ننصحك به هو الخروج من الخلاف، وذلك بالوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها لأن من أهل العلم من لا يرى السلس سبباً للجمع؟، ومنهم من يقول لا يصلي ذو السلس بوضوء واحد أكثر من فريضة مؤداة أو مقضية وهو قول قوي جداً.

وإذا توضأت بعد دخول الوقت وأخرت الصلاة لأمر يتعلق بها فلا يضر ذلك، قال ابن قدامة في المغني: فإن دخل في الصلاة عقب الطهارة أو آخرها لأمر يتعلق بمصلحة الصلاة كلبس الثياب وانتظار الجماعة أو لم يعلم أنه خرج منه شيء جاز. انتهى.

وإن كان الوضوء لكل صلاة يشق بك فقد قدمنا أن الجمع جائز عند بعض العلماء ولك أن تأخذ بقولهم إضافة إلى مذهب مالك في وضوء صاحب السلس، وإذا أردت الجمع الصوري فلا يعكر عليك ما ذكر في الفتوى التي أشرت إليها من تحديد ما بين المغرب والعشاء بنصف سدس الليل، فإننا لم نذكر ذلك على أنه تحديد شرعي يعرف به ما بين الوقتين، وإنما ذكرناه جواباً لقول السائل وهل هناك مدة معينة، فذكرنا له ما ذكره النووي بصيغة قيل مع أننا بينا في الفتوى المذكورة التحديد الشرعي المعتبر وهو أن وقت المغرب يبدأ بغروب الشمس ويستمر إلى ذهاب الشفق الأحمر على مذهب الجمهور، فإذا غابت الحمرة دخل وقت العشاء فيمكن لمن أراد الجمع الصوري أن يتوضأ في الفترة التي تسبق غياب الشفق الأحمر ويصلي المغرب، فإذا غاب الشفق الأحمر دخل وقت العشاء فيصليها أيضاً.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني