الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعاء الولد على الوالدين منكر لا يجوز بحال

السؤال

والدتي أساءت تربيتي وأهملتني وإخوتي وحرمتنا من والدنا بمنعه من إلحاقنا به في البلد الذي يعمل به طوال عمرنا حتى توفاه الله وهو بعيد عنا وكانت تكيد له المكائد هي وأهلها حتى يبقى بعيدا عنا فقط يأتي فترات وجيزة لتسليم المصروف ويذهب مما أدى لحرماننا من عطف وحنان ورجولة أب عزيز كريم لنا وخاصة أننا مررنا بكل مراحل الطفولة والشباب ونحن محرومون منه وكانت دائمة الطلب منه لتطليقها وإلا سترمي الأطفال وتمشي لحالها إذا التحق بنا فأنا أشعر أنها أجرمت بحقنا وأنا أدعو عليها بيني وبين نفسي بأن يحرمها الله الجنة كما حرمتنا والدنا ولكني عندما ألقاها لا أشعرها بذلك وأحسن تعاملها فمارأيكم أريد جوابا مفصلا وليس مختصراً ؟
جزاكم الله خيرا والحمد لله .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الأم إذا فرطت في رعاية أولادها ، وأهملت تربيتهم ، وتسببت في حرمانهم من والدهم من غير مسوغ شرعي فهي بذلك قد أساءت التصرف ، ومع هذا كله فالواجب على الأولاد برها والإحسان إليها ، وذلك لأن مقام الأم مقام عظيم ، وقد نوه الشرع بمكانتها ، فهي قد تحملت متاعب حمل هذا الولد في بطنها ، ومتاعب وضعه وإرضاعه صغيراً، قال تعالى : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا {الأحقاف: 15} وبين النبي صلى الله عليه وسلم مكانة الأم فجعل لها ثلاثة أرباع البر ، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال: ثم من ؟ قال : أمك ، قال: ثم من ؟ قال : أمك ، قال: ثم من ؟ قال : ثم أبوك . فالواجب على ولدها برها والإحسان إليها وإن أساءت إليه في أمر ما ، إذ إن إساءتها إليه لا تسقط عنه برها .

وقد أحسنت أخي الكريم في كونك لم تشعر أمك بشيء من سخطك عليها ، وهذا من الواجب ، ونرجو أن تنال به الأجر العظيم من الرب الكريم ، والواجب عليك الاستمرار معها على هذا الحال ، وأما الدعاء عليها فلا يجوز إذ إن دعاء الولد على الوالدين منكر عظيم ونوع من العقوق ، ولا يبرره إساءة الوالد إلى الولد ، بل إنه يعارض ما أرشد إليه القرآن وأدب به الولد بتوجيهه إلى الدعاء للوالدين قال تعالى : وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء: 24} فإذا كنت مأموراً بالدعاء لها فكيف تلجأ إلى الدعاء عليها ؟! ومثل هذا الدعاء لا يستجاب لأنه دعاء بإثم وقطيعة رحم ، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم . ففي دعائك عليها خسرانك الدنيا والآخرة ، فالواجب عليك الانتهاء عن ذلك ، وينبغي أن تجتهد في نسيان ما قد حدث من أمك ، وإن أردت رضا الله تعالى والجنة فالزم أمك واجتهد في برها ، وتدبر معنا هذا الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه عن معاوية السلمي رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة ، قال: ويحك ! أحية أمك ؟ قلت: نعم . قال : ارجع فبرها . ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت : يا رسول: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة ، قال: ويحك ! أحية أمك ؟ قلت: نعم يا رسول الله قال : ارجع إليها فبرها . قال : ثم أتيته من أمامه فقلت : يارسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة ، قال: ويحك أحية أمك ؟ قلت: نعم يارسول الله قال : ويحك الزم رجلها فثمّ الجنة .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني