الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المساواة بين الزوجين في طلب الطلاق خروج بين على الشرع

السؤال

أرجو منكم المعذرة إذا كان السؤال طويلا وهذا راجع إلى كون المشكلة المطروحة معقدة.
سؤالي ينطلق من ظاهرة بدأت تتفشى في كثير من الدول العربية، بخصوص قانون الأحوال الشخصية الجديد، و خاصة تطبيق مبدإ المساواة بين الزوج والزوجة في طلب الطلاق، فالملاحظ فعلا هو أن المساواة قد تكون طُبّقت في طلب الطلاق من حيث الحقوق فقط، ولكن ليس من حيث الواجبات، إذ بمنح هذا الحق للمرأة، قد يحصل ضرر كبير للزوج و من خلاله للأسرة ككل كيف ذلك؟
إذا أُعطِيَ حقّ الطلاق لكلّ من الزوجين وحده، فالرجل يطلّق عندما يشاء، والمرأة لها أن تطلّق عندما تشاء. من حيث الظاهر فإنّ هذا الاقتراح يحقّق المساواة بين الزوجين. ولكن الحقيقة تختلف عن ذلك بسبب اختلاف المركز القانوني لكلّ من الزوجين.فالرجل عندما يطلّق يتحمّل نتائج طلاقه، ويدفع مؤجّل المهر لمطلّقته، ويدفع لها نفقة ولده إذا بقي في حضانتها، بل يدفع لها أجرة إرضاع طفله منها إذا كان لا يزال في سنّ الرضاعة، كما يدفع لها أجرة حضانته. لكنّ المرأة عندما تطلّق لا تتحمّل هي نتائج الطلاق، بل يتحمّلها الرجل. فهي التي تطلّق، لكنّه هو الذي يدفع المهر المؤجّل، ونفقة الولد وأجرة رضاعه أو حضانته، فهل هذه النتيجة تعتبر مساواة بين الزوجين؟ وهل هي تتّفق مع العدالة؟ وهل المساواة مطلوبة إلاّ من أجل تحقيق العدالة؟أستنتج إذن أنه قد يحصل ضرر كبير للزوج ومن خلاله للأسرة ككل من بين نتائج هذا القانون الجديد، نلاحظ انعكاسات سلبية على المجتمع أذكر من بينها على الخصوص: ١ـ ارتفاع نسبة الطلاق خاصة في السنوات الأولى من الحياة الزوجية٢ـ الإحجام عن الزواج بالنسبة للشباب الذين هم في سن الزواج
من جهة أخرى، تساءلت عمّا إذا كان ديننا الحنيف يعطي للزوجة بهذه السهولة حقّا لا مشروطا في إنهاء الزواج، فوجدت ما يلي:روى ابن ماجه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إنما الطلاق لمَنْ أَخَذَ بالسَّاق" يقول ابن عباس: أتى رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله ، سيدي زوَّجني أَمَتَه وهو يريد أن يُفَرِّق بيني وبينها، فصعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المنبر فقال: "يا أيها الناس ما بال أحدكم يُزوِّج عبده أَمَتَه ثم يُريد أن يفرِّق بينهما؟ إنما الطلاق لمن أخذ بالسَّاق" قال ابن القيم عن هذا الحديث: في إسناده مقال ولكن القرآن يعضِّده. وذكره السيوطي في الجامع الصغير ورمز له بأنه حسن من رواية الطبراني عن ابن عباس، وقال المناوي في "فيض القدير" رمز المُصنف بحسنه ليس في محله.
من هنا أستخلص سؤالي: هل من شرط يمكن للزوج أن يشترطه في عقد الزواج، يتعذّر بموجبه على الزوجة طلبها في الطلاق، و ما هو نوع ذلك الشرط، مع مراعاة أن يكون الشرط صحيحا غير مناف لعقد الزواج، وإلا اعتُبِرَ العقد صحيحا و الشرط باطلا كما يرجى أن يكون الشرط ملزما للزوجة، يجب عليها الوفاء به في جميع الأحوال ؟
و شكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن القوانين الوضعية والتي هي من بنات أفكار البشر يغلب عليها القصور والخلل في تشريعاتها لقصور عقول أصحابها أحياناً ، ولكونها قد تخضع لأهواء بعضهم ، فقد يضعون من القوانين ما قد يظنون به تحقيق العدالة وحقيقة أمره الجور والظلم ، وهذا الأمر متحقق في هذا القانون الذي يجعل الطلاق حقاً للزوجة أسوة بالزوج ، ومثل هذا القانون لا علاقة له بالشرع ، وما يترتب عليه من تبعات يسأل عنها أصحابه .

وأما شرع الله تعالى فهو أكمل شرع وأعدله وأصدقه ، لأنه الشرع المنزل من لدن حكيم خبير ، قال تعالى : وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {الأنعام: 115} فقد جعل هذا الشرع الطلاق بيد الزوج لحكم كثيرة ، منها أن الزوج أضبط لتصرفاته من الزوجة ، فيغلب أن يتروى قبل أن يقدم على الطلاق ، لأن ضرر الطلاق يقع عليه في الغالب ، لأنه هو الذي دفع تكاليف الزواج من مهر وغيره ، فربما احتاج إلى مثله إذا أراد الزواج من أخرى ، ونحو هذا من تكاليف تقع على عاتقه ولا تتحمل المرأة منها شيئاً ، وتراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم : 61444 .

ومع أن الشرع قد جعل الطلاق بيد الزوج ، فإن الشرع قد جعل للمرأة سبيلاً إذا كانت تتضرر من استمرارها في عصمة زوجها ، فأباح لها طلب الطلاق ، فإن طلقها زوجها فبها؛ وإلا جاز لها رفع أمرها إلى القاضي الشرعي ليزيل عنها الضرر ، ومما تقدم تبين لك أنك في غنى عما سألت عنه من السبيل للزوج إلى شرط يتعذر معه على الزوجة طلب الطلاق ، إذ لا علاقة للمسلم بتلك القوانين التي تخالف شرع الله سبحانه ، وإنما يتحاكم المسلم إلى شرع ربه تعالى ، وهو الشرع الذي جعل الطلاق بيد الزوج لا بيد الزوجة كما ذكرنا .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني