الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الهدية لرب القراض.. نظرة فقهية

السؤال

كنت قد أرسلت إلى فضيلتكم بسؤال يتعلق بالصكوك الإسلامية، وقد أجبتم مشكورين عنها في فتوى بعنوان "الصكوك الإسلامية التي تدخل في سحب شهري على جوائز" رقم 72663، تاريخ الفتوى : 20 صفر 1427 .
غير أن الدكتور حسين حامد حسن رئيس هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بنك دبي الإسلامي وهو يرأس هيئة الرقابية الشرعية لشركة الصكوك الوطنية محل السؤال، ذهب للقول بأنه يتحدى أن يثبت أحد شبهاً بين هذا المنتج واليانصيب بأي شكل من الأشكال. وقد نشر بيانا صحفيا في جريدة البيان الإماراتية في 18 و27/3/2006 قال فيه إنه يعمل منذ فترة على إيجاد منتج يستطيع من خلاله المستثمرون من جميع المستويات أن يشاركوا باستماراتهم وفقا لأحكام الشرع الحنيف في تطوير. وقال إن هيكلة هذا المنتج أي »الصكوك الوطنية« تعتمد على مبدأ المضاربة الشرعية، حيث يعتبر المستثمرون هم أرباب المال، بينما يعمل مدير الاستثمار بصفته مضاربا، يقوم باستثمار أموال المضاربة في مشاريع ومعاملات محددة ومدعمة بدراسة جدوى اقتصادية قابلة للتطبيق بعد أن توافق عليها هيئة الفتوى للشركة، ويتلقى المستثمرون حصصهم في الأرباح بشكل مستمر من خلال الأرباح التي تحققها المضاربة.
ويتم توزيع الأرباح بين المضارب وأرباب المال تبعاً للنسبة المتفق عليها بينهما، ويمكن للمضارب بمحض اختياره أن يقوم بتوزيع جوائز على بعض المستثمرين من خلال إجراء سحب دوري يعقد بكل شفافية.
وأكد أن المنتج لا يعتمد على مبدأ اليانصيب بتاتاً لأنه ببساطة عبارة عن أداة من أدوات الادخار الاستثماري، ففي اليانصيب لا يستطيع أحد أن يسترد ثمن ورقة اليانصيب بينما في الصكوك الوطنية يستطيع المستثمرون حملة الصكوك استرداد قيمة صكوكهم في أي وقت يشاؤون بعد مضي 30 يوماً من تاريخ إصدار الصكوك، وليس ذلك فقط، بل أيضا سيتلقون عوائد استثماراتهم طيلة مدة امتلاكهم لهذه الصكوك.
وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن يفوزوا بجوائز من خلال السحب الذي يجريه المضارب تطوعاً من أمواله الخاصة. وقال إن الشريعة الإسلامية الغراء لا تجيز اليانصيب لأنه شكل من أشكال القمار، بينما تشجع على الاستثمار على أساس المضاربة الشرعية للمساهمة في عملية تنمية الدولة. أكد الدكتور حسان على مشروعية وإسلامية الجوائز الشهرية التي تقدم لحملة الصكوك والتي تأتي كحوافز تشجيعية من أموال الإدارة،
الرجاء من فضيلتكم أن تفيدونا حول الموضوع، سيما وأن الأمر يتعلق بأعداد كبيرة من المسلمين الذين لا يعلمون حقيقة الأمر ويذهبون إلى الشراء دون تبين كامل عن مدى مشروعية هذه المعاملات المالية. جزاكم الله خيرا. والرجاء أن تسرعوا في الفتوى

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن مهمة مركز الفتوى هي الرد على الأسئلة والاستفسارات الشرعية، وليس من مهمته الدخول في مناظرات ومجادلات مع الآخرين.

ثم إن ما ذكرته من كلام الدكتور المحترم لا نراه في الحقيقة يتعارض مع ما أفتينا به.

فنحن لم نثبت أن ما ذكرته في السؤال هو من اليانصيب أو له شبه باليانصيب، وإنما ذكرنا أن المرء إذا كان إنما يشتري الصكوك لينال الجائزة الشهرية، وليس له هم آخر منها غير ذلك، كان ذلك من الميسر (اليانصيب).

والميسر -كما عرفه أهل العلم- هو كل معاملة دائرة بين الغنم والغرم، والغانم فيه يغنم بغير مقابل، أو في مقابل ضئيل.

والمشتري للصكوك إن كان هدفه هو الجائزة، ولم يكن هدفه الرئيسي من اشترائها هو التنمية والاستثمار، كان شبيها بمن يحاول الغنم دون مقابل، أو في مقابل ضئيل.

وذكرنا أيضا في نفس الفتوى أن المشترين لهذه الصكوك هم بمثابة أرباب القراض، وأنه إذا حصل أحدهم على الجائزة التي تنال بالسحب الشهري، كان ذلك مثل الهدية لرب القراض، وقد علم من النصوص التي سقناها أن الهدية لرب القراض محرمة ما لم يكن لها موجب آخر، وهذا مذهب المالكية. ففي الدسوقي عند قول خليل: (كرب القراض)، قال: أي يحرم عليه إهداء العامل لئلا يقصد بذلك أن يستديم عمله، وكذلك يحرم هدية العامل لرب المال ولو بعد شغل المال. أما قبل شغل المال فبلا خلاف، لأن لرب المال أخذه منه فيتهم أنه إنما أهدى إليه ليبقى المال بيده, وأما بعد شغل المال فعلى المشهور, وقيل يجوز، وهما مبنيان على اعتبار الحال فيجوز لعدم قدرة المالك على انتزاعه منه حينئذ، أو المآل وهو أن يترقب من رب المال أنه بعد نضوض المال يعامله ثانيا لأجل هديته له.

ولا شك في أن فضيلة الشيخ الدكتور المحترم يعرف من هذا الأمر ما ذكرناه، ولعله يرى غيره أرجح منه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني