الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ما هو الشرك الأكبر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فالشرك ضد التوحيد، وهو نوعان أكبر، وأصغر.‏
والأكبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام بالنسبة إلى أنواع التوحيد:
القسم الأول: الشرك في ‏الربوبية، وهو نوعان: ‏
أحدهما: شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون إذ قال: ( وما رب ‏العالمين). ومن هذا شرك الفلاسفة القائلين بقدم العالم وأبديته وأنه لم يكن معدوماً أصلاً، ‏بل لم يزل ولا يزال. ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين كسوا الإلحاد حلية ‏الإسلام، ومزجوه بشيء من الحق. ‏
ومن هذا شرك من عطل أسماء الرب وأوصافه من غلاة الجهمية والقرامطة.‏
النوع الثاني: شرك من جعل معه رباً آخر ولم يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته، كشرك ‏النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة، وشرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، ‏وحوادث الشر إلى الظلمة.‏
ومن هذا شرك كثير ممن يؤمن بالكواكب العلوية ويجعلها مدبرة لأمر هذا العالم، كما ‏هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم.‏
ويلحق بهذا شرك من يزعم أن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت فيقضون الحاجات ‏ويفرجون الكربات إلى غير ذلك.
القسم الثاني: الشرك في توحيد الأسماء والصفات، وهو نوعان:
أحدهما: تشبيه الخالق ‏بالمخلوق، كمن يقول يد كيدي، وسمع كسمعي، واستواء كاستوائي ، وهو شرك المشبهة.‏
والثاني: اشتقاق الأسماء للآلهة الباطلة من أسماء الإله الحق.‏
قال الله تعالى: ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ‏ما كانوا يعملون ) [الأعراف:180]. قال ابن عباس: يلحدون في أسمائه يشركون. وعنه ‏: سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز.‏
القسم الثالث: الشرك في توحيد الإلهية والعبادة، وهو ثلاثة أنواع:
الأول: الشرك في ‏النسك والشعائر، ومنه: تقديم الدعاء والنذر والذبح والاستغاثة لغير الله عز وجل.‏
قال الله تعالى: ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة ‏يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) [فاطر:14] وقد أجمع العلماء على أن من جعل ‏بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة كَفَر.‏
النوع الثاني: شرك الطاعة، وهو الطاعة في التحليل والتحريم بغير سلطان من الله.‏
قال تعالى: ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ‏ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) [التوبة:31].‏
وقد روى الترمذي والبيهقي والطبراني في الكبير ، واللفظ له ، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال: "يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك" فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) حتى فرغ منها فقلت: إنا لسنا نعبدهم فقال "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتستحلونه" قلت بلى. قال "فتلك عبادتهم". والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
وقال تعالى في شأن اتباع المشركين في تحليل الميتة: ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) ‏‏[الأنعام:121].‏
النوع الثالث: شرك المحبة:‏
قال تعالى: ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد ‏حباً لله ) [البقرة: 165].‏
وانظر لمعرفة أنواع الشرك: تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد ص 37، مدارج ‏السالكين1/339 ، تفسير أَضواء البيان عند آية سورة الأنعام، وكتب الفقه: باب الردة.‏
وأما الشرك الأصغر فهو كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر، ووسيلة ‏للوقوع فيه، وجاء في النصوص تسميته شركاً، كالحلف بغير الله، فإنه مظنة للانحدار إلى ‏الشرك الأكبر، ولهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وسماه شركاً بقوله: " من حلف ‏بغير الله فقد أشرك" رواه الترمذي، وأبو داود، والحاكم بإسناد جيد. قال الإمام ابن القيم: ‏‏( وأما الشرك الأصغر: فكيسير الرياء، والتصنع للخلق، والحلف بغير الله… وقول الرجل ‏للرجل: ما شاء الله وشئت) مدارج السالكين ( 1/344) ومعنى (يسير الرياء) كإطالة ‏الصلاة أحياناً ليراه الناس، أو يرفع صوته بالقراءة أو الذكر أحياناً ليسمعه الناس فيحمدونه، ‏روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء" .
أما إذا كان لا ‏يأتي بأصل العبادة إلا رياء، ولولا ذلك ما وحد ولا صلى، ولا صام، ولا ذكر الله، ولا قرأ ‏القرآن، فهو مشرك شركاً أكبر.
والشرك الأصغر لا يخرج صاحبه من ملة الإسلام ولكنه ‏أعظم إثماً من الزنا وشرب الخمر، وإن كان لا يبلغ مرتبة الشرك الأكبر.
والله أعلم.‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني