الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التحاكم بين الأم والابن هل يعد من العقوق

السؤال

أنا الابن الوحيد لأم انفصلت عن والدي لأكثر من مرة وتزوجت بعد والدي ولم توفق. تزوجت بناء على رغبتها وكانت نعم العون لزوجتي أثناء الحمل والولاده والتعليم وذلك في الفترة التي كنت فيها أعمل في إحدى دول الخليج عند عودتي بدأت الخلافات بين أمي وزوجتي وتخيرني بأن أترك زوجتي أو تقوم بكتابه المنزل الذي نمتلكه سويا لدور الأيتام نكايه في زوجتي ، ملحوظه مهمة جدا هو أن المنزل كان دورا أرضيا واحدا يمتلكه الوالد والوالدة مناصفة ولأنه ليس لهم غيري فقد كتباه باسمي وعندما سافرت إلى الخارج كنت أرسل الأموال باسم والدتي وأضافتها إلى ما تمتلكه من مال وقامت باستكمال البناء حتى صار خمسة طوابق، معنى هذا أن مالها اختلط بمالي أثناء البناء ، وهي معها توكيل عام عني أجبرتني على عمله لها ، هل إذا لم أطلق زوجتي أكون عاقا لها ؟ هل إذا نازعتها في البناء أكون عاقا لها ؟ قامت بتأجير جميع الشقق ولا تعطيني أي شيْء من الإيجار وأسكن معها في نفس الشقه وكل فتره تفتعل مشكلة وتطردني من الشقة أنا وأولادي وزوجتي وتدعو علي دعاء مريرا لإجباري على تطليق زوجتي ويتدخل أولاد الحلال للإصلاح بيننا وأقوم بتقبيل يديها وقدميها ولكنها مستمرة على هذا الحال من الضغط النفسي.وتهددني بأن تجعلني أخسر دنياي ببيع المنزل وآخرتي بالدعاء علي وعدم الرضا عني إذا لم أنصع لأمرها ، أنا لم أعد أمتلك إلا راتبي البسيط الذي لا يمكنني إلا من قضاء مصاريف أولادي بالكاد ، أفيدوني ماذا أفعل ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فطاعة الأم من أوجب الواجبات التي أمر بها الله تعالى، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء: 23}. وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال : أمك، قال: ثم من ؟ قال : أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أبوك . متفق عليه.

ولكن هذه الطاعة مقيدة بالمعروف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف . فإن كانت زوجتك مستقيمة الأحوال وذات دين، وإنما أمرتك أمك بطلاقها لهوى في نفسها أو لغرض شخصي، فلا يلزمك طلاقها. وبهذا قال كثير من أهل العلم، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل متزوج ووالدته تكره الزوجة وتشير عليه بطلاقها هل يجوز له ‏طلاقها؟ فأجاب: لا يحل له أن يطلقها لقول أمه؛ بل عليه أن يبر أمه، وليس تطليق زوجته من بر أمه . انتهى.

ثم إن منازعة الأم في الشقق ومرافعتها عند القضاء إذا اقتضى الأمر ذلك لا تعد عقوقا. وقد دلت السنة على جواز ذلك. فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي يزيد معن بن يزيد السلمي قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن. ففي هذا الحديث أن معناً خاصم أباه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم له رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيه، حيث أقر أن المال الذي أخذه له، وأن هذا ليس من العقوق. قال الحافظ في الفتح: وفيه جواز التحاكم بين الأب والابن، وأن ذلك بمجرده لا يكون عقوقا. أهـ .

وبناء على جميع ما ذكر، فلا نرى عليك حرجا في الإبقاء على زوجتك، ولا في منازعة أمك الشقق إن كان الحال على ما ذكرت. ولكن لا تنس ما لها من الحق في البر والاحترام ، واعلم أن من الزوجات من لا تكون عونا لزوجها على بر والديه فتحاول أن تجعل بينه وبينهما شحناء، وتظهر له أنها مظلومة وأنها ضحية، وواقع حالها أنها ليست كذلك، وقد تكون زوجتك من ذلك النوع فإذا كانت منه فلا شك أن فراقها أولى ، وعلى كل فاحذر من أن تجرك إلى عقوق أمك فتخسر دنياك وأخراك .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني